كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

بالنفخ في الدرع. وفي بعض المصاحف: (إنما أنا رسول ربك أمرني أن أهب لك). أو هي حكاية لقول الله تعالى.
[(قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا* قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا)].
جعل المسّ عبارة عن النكاح الحلال،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عوض، وقوله: (لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً) نسب الملكُ الهبة إلى نفسه لكونه سبباً، وقرئ: "ليهب لك" فنُسبَ على الله عز وجل، فهو على الحقيقة، ويوصف الله تعالى بالواهب والوهاب بمعنى أنه: يُعطي كلا على قدر استحقاقه.
قوله: (أو هي حكاية لقوله عز وجل)، فالتقدير: أنا رسول ربك حاملاً لوحيه أني طهرتك واصطفيتك لأهب لك غُلاماً زكيا، أي: مطهراً.
قوله: (جعل المس عبارة عن النكاح الحال)، قال الإمامُ: ولقائل أن يقول: قولها: (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) يدخل تحته قولها: (وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً) فلماذا أعادها؟ ويُقوي السؤال قولها في آل عمران: (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) [آل عمران: 47]، والجواب من وجهين، أحدهما: أنها جعلت المس عبارة عن النكاح الحلال.
وثانيهما: أن إعادتها لتعظيم حالها، كقوله تعالى: (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) [البقرة: 98]؛ فذكرث البغي بعد دخوله في الكلام لأنه أعظمُ ما في بابه، لأن من لم تُعرف من النساء بالتزوج فأغلظ أحوالها إذا أتت بولدٍ أن تكون زانية.

الصفحة 590