كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

(وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الجاثية: 22]، وقوله: (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ) [يوسف: 21]. (مَقْضِيًّا) مقدّرا مسطورا في اللوح لا بدّ لك من جريه عليك. أو: كان أمرا حقيقا بأن يكون ويقضى؛ لكونه آية ورحمة. والمراد بالآية: العبرة والبرهان على قدرة الله. وبالرحمة: الشرائع والألطاف، وما كان سببا في قوّة الاعتقاد والتوصل إلى الطاعة والعمل الصالح، فهو جدير بالتكوين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قُدرته، ولتُجزى كل نفس. وقوله: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) [يوسف: 56] ليتصرف فيها ولنُعلمه، ونظيرُ الأول قوله في "الأنفال": (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) [الأنفال: 42] ليقضي: متعلقٌ بمحذوف، أي: ليقضي أمراً واجباً أن يُفعل دبر ذلك. الحاصل: أنه على التقدير الأول: عطف الجملة على الجملة، على الثاني: عطف المفرد على المفرد.
فإن قلت: لم يُقدر المعلل مؤخراً؟ قلتُ: فائدةُ هذا الأسلوب، وهو أن تُجاء العلة بالواو للاهتمام بشأن العلة المذكورة؛ لأنه إما أن يُقدر علة أخرى ليعطف عليها، فيكون اختصاص ذكرها لكونها أهم، وإما أن يُقدر معلل، فيجب أن يكون مؤخراً، ليشعر تقديمه بالاهتمام.
قوله: (أو كان أمراً حقيقاً بأن يكون ويقضى)، فعلى الأول: (وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً) تذييلٌ للكلام وتوكيدٌ له، وكالموجب لتكوين ما يدل على القدرة الكاملة والرحمة الشاملة. وعلى الثاني: كالموجب بفتح الجيم، وذلك بالنظر إلى معنى الآية، وأنها البرهان على قدرة الله، ومفهوم الرحمة، وأن ابنها يصير نبيا مباركا، وأن كونهما من المصالح الموجبة أن تُراعي. والأول أنسب لمذهبنا، والثاني لمذهبه، ويدل على أن المراد رعاية الأصلح قوله: "وما كان سبباً في قوة الاعتقاد والتوصل إلى الطاعة والعمل الصالح، فهو جديرٌ بالتكوين".

الصفحة 594