كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

تندمه، ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا: لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لو كان الندم مشكوكاً فيه) يُشير لقوله: "لعلك ستندم"، وقوله: "ربما ندم الإنسان على ما فعل" أي: هذا الذي فعلت، ربما ندم الإنسان عليه.
وخلاصة الجواب أن يقال: لا شك أنهم يكثرون الودادة، ولكن استعمل رُب لتقليلها على الاستعارة، أي: تقل ودادتهم للإسلام حينئذ على إرادة أنهم يبالغون في الودادة، ويكثرون منها لاقتضاء مقام التوبيخ لهم، ثم تفيد هذه الاستعارة على طريقة الكناية الإيمائية- وهي أخذ الزبدة والخلاصة من المجموع- معنى توخي انتهاز فرصة الإسلام، أي: اغتنموا فرصة الإسلام، وسارعوا في تحصيله، فإنكم لو كنتم تودونه مرة واحدة فبالحري أن تُسارعوا فيها، فكيف والحال ما ذكرناها؟
الانتصاف: العرب تُعبر عن المعنى بضده، ومنه:
قد أترك القرن مصفراً أنامله
وإنما يُمتدح بالإكثار من ذلك، وعبر عنه بـ "قد" المفيدة للتقليل، ومنه (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) [الصف: 5]، فإن القصد توبيخهم على الأذى، مع توفر علمهم برسالته ونصحه.
قلتُ: ومنه قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) [البقرة: 144] أي: مِن حق اهتمامك بشان القبلة مع كثرة تقلب وجهك في السماء أن يكون أكثر مما وُجد منك وشوهد من حالك، لأن أصل أمرك أن تستقبل قبلة آبائك، ولكونه أدعى للعرب إلى الإيمان، ولوجوب مخالفة اليهود.

الصفحة 9