كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
الدليل السادس: أنه مروي عن أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، قال الشافعي: "روي أن أبا بكر أمر رجلًا في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصاب حدًا بالاستتار، وأن عمر أمره به، وهذا حديث صحيح عنهما" (¬1).
الدليل السابع: أنه قد ثبت جواز تلقين المُقر بالحد ليرجع عن إقراره، وهو مروي عن جمع من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كأبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي هريرة، وأبي مسعود، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص، وأبي واقد الليثي (¬2) -رضي اللَّه عنهم- (¬3)، وهو ثابت عن بعضهم كما قال ابن حجر: "ثبت عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- تلقين المقر بالحد" (¬4).
بل نقل النووي الاتفاق على مشروعية تلقين المقر ليرجع عن إقراره فقال: "قد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم، واتفق العلماء عليه" (¬5)، وإذا جاز تلقينه ليرجع عن إقراره، فسكوته عن الاعتراف بنفسه جائز من باب أولى.
¬__________
(¬1) الأم (6/ 149)، وانظر في تخريجهما: مصنف عبد الرزاق (10/ 227)، مصنف ابن أبي شيبة (6/ 462) وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في "الإصابة" (2/ 229)، الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 13)، معرفة السنن والآثار (6/ 472).
(¬2) هو أبو واقد، اختلف في اسمه فقيل الحارث بن مالك، وقيل: عوف بن الحارث، وقيل غير ذلك، من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، أسلم قديمًا، وشهد بدرًا، سكن مكة بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى مات بها سنة (68 هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1774، معجم الصحابة 2/ 42، تهذيب التهذيب 12/ 295.
(¬3) أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 544)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 224).
(¬4) فتح الباري (12/ 126)، وانظر: شرح النووي (11/ 195).
(¬5) شرح النووي (11/ 195)، وانظر: نهاية المحتاج (7/ 463) حيث قال الرملي: "من أقر بعقوبة للَّه تعالى -أي بموجبها، كزنى، وسرقة، وشرب مسكر، ولو بعد دعوى، فالصحيح أن للقاضي أن يعرض له، أي يجوز له كما في الروضة، لكن في شرح مسلم إشارة إلى نقل الإجماع على ندبه، وحكاه عن الأصحاب والمعتمد الأول" بتصرف يسير.