كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)

• أدلة المخالفين: أما من قال بأن التوبة مسقطة للحد مطلقًا فاستدل بما يلي:
الدليل الأول: جاء في القرآن الكريم التصريح بإسقاط حد الزنا بالتوبة في قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)} (¬1)، وكذا جاء إسقاط حد السرقة أيضًا في قوله سبحانه: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} (¬2). وهذا يفيد أن الحد يسقط بالتوبة.
الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاءه رجل، فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة قام إليه رجل، فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقم فيّ كتاب اللَّه قال: (أليس
¬__________
= الإمام أحمد في المسألة هو فيما لو لم يثبت الحد عند الإمام، أما إن ثبت عند الأمام فالمسألة محل إجماع أن التوبة لا تسقط الحد.
وقرر أن ما نُقل عن الإمام أحمد في هذه المسألة أن من تاب فلا حد عليه ولو ثبت عليه الحد عند الإمام، ليس بصواب، بل متى أظهر التوبة بعد أن ثبت عليه الحد عند الإمام بالبينة لم يسقط عنه الحد قولًا واحدًا عن الإمام أحمد، وأما إن تاب قبل أن يقدر عليه -بأن يتوب قبل أخذه وبعد إقراره الذي له أن يرجع عنه-: فهذا الذي فيه روايتان عن أحمد، إذ كان يقول بسقوط الحد ثم رجع عنه، وأيَّد ابن تيمية ذلك بأن هذا ما صرح به غير واحد من أئمة المذهب منهم الشيخ أبو عبد اللَّه بن حامد.
فتحصل مما قرره ابن تيمية أن المسألة عند الأمام أحمد على ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يتوب بعد ثبوت الحد عند الأمام، فهنا لا يسقط قولًا واحدًا عن الإمام أحمد.
الحال الثانية: أن يتوب قبل أن يقر بالحد، بأن يجيء للإمام تائبًا، فهذه لا حد فيها عند الإمام أحمد.
الحال الثالثة: أن يتوب بعد أن يقر، بأن يقر ثم يتوب، ففي هذه الحال روايتان عن أحمد، فكان يقول بسقوط الحد عنه، ثم رجع وقال بعدم سقوط الحد.
(¬1) سورة النساء، آية (16).
(¬2) سورة المائدة، آية (39).

الصفحة 115