كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)

الدليل الرابع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لماعز حين أقيم عليه الحد وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬1).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى أن الأفضل حين هرب ماعز أن يتركوه لتوبته، ولا يقيموا عليه الحد، وهو ظاهر في أن التوبة تسقط عنه الحد (¬2).
الدليل الخامس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي برجل أكره امرأة على الزنا، ثم جاء تائبًا، فلم يرجمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال له: (اذهب فقد غفر اللَّه لك) (¬3).
وأما القائلون بأن الحدود تسقط بالتوبة قبل القدرة أما بعدها فلا فاستدلوا
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد (24/ 322)، والترمذي، كتاب: الحدود، باب: درء الحد عن المعترف إذا رجع، رقم (1428)، وأبو داود، كتاب: الحدود، باب: رجم ماعز بن مالك، رقم (4419)، وابن ماجه، كتاب: الحدود، باب: الرجم، رقم (2554)، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: "حديث حسن"، وقال ابن حجر في التلخيص (4/ 107): "إسناده حسن"، وصححه الألباني كما في "الإرواء" (7/ 354)، وأصله في الصحيحين.
(¬2) انظر: أعلام الموقعين (2/ 60).
(¬3) أخرجه الترمذي، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنا، رقم (1454)، وقال: "هذا حديث حسن غريب صحيح"، وأبو داوود، كتاب: الحدود، باب: في صاحب الحد يجيء فيقر، رقم (4379)، من رواية سماك عن علقمة بن وائل الكندي عن أبيه، قال ابن القيم في الطرق الحكمية (1/ 86): "هذا الحديث إسناده على شرط مسلم"، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 599): "رجاله ثقات كلهم رجال مسلم، وفي سماك كلام لا يضر وهو حسن الحديث في غير روايته عن عكرمة"، وضغفه آخرون للاضطراب في رواياته ففي بعض الروايات أنه أمر برجم الرجل المُكرِه" وفي روايات أخرى أنه عفى عنه، ولذا قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/ 88): "هذا حديث منكر جدًّا على نظافة إسناده".

الصفحة 117