كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)

واستدل المالكية على عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب بما يلي:
الدليل الأول: أنها استرابة يقتضي الدفع عن الشهادة، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} (¬1) (¬2).
الدليل الثاني: ما روي عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ود السارق أن يكون الناس سراقًا، وود الزاني أن يكون الناس زناة"، وإنما كان كذلك لينفي المعرة عن نفسه بمشاركة غيره (¬3).
¬__________
= وقال: "ضعيف لا يحتج به"، والبغوي في شرح السنة (10/ 123) وقال: "هذا حديث غريب، ويزيد بن زياد الدمشقي منكر الحديث"، وقال عنه ابن أبي حاتم في "العلل" (4/ 287) "هذا حديث منكر ولم يقرأ علينا".
وقد ضعف البيهقي الحديث بجميع توابعه وشواهده حيث ذكرها في "السنن الصغرى" (4/ 148) وبيَّن ضعفها ثم قال: "فلم تصح أسانيد هذه الأحاديث"، وقال ابن عبد البر الاستذكار (7/ 109): "روي هذا الحديث مرفوعًا لكنه لم يرفعه من روايته حجة"، وكذا ضعفه ابن حزم في "المحلى" (8/ 507)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 670)، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (5/ 82)، والذهبي في "تنقيح التحقيق" (2/ 328)، وقال ابن الملقن بعد ذكره لطرق الحديث وبيَّن ضعفها (9/ 629): "فيُلَخَّص من هذا كله أنه حديث ضعيف لا يحتج به، لا جرم". وأشار ابن حجر إلى ضعف جميع تلك الأحاديث بشواهدها فقال في فتح الباري (5/ 257) وقال: "احتجوا في رد شهادة المحدود بأحاديث، قال الحفاظ لا يصح منها شيء".
ومن أهل العلم من حسن الحديث لشواهده منهم الشوكاني في "فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار" (4/ 2069)، والألباني (2/ 1212).
(¬1) سورة البقرة، الآية: (282).
(¬2) انظر: الحاوي الكبير (17/ 425).
(¬3) انظر: الحاوي الكبير (17/ 425)، ولم أجد تخريجًا لأثر عثمان -رضي اللَّه عنه-، وإنما كذا ذكره الماوردي في الحاوي.

الصفحة 127