كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)

وقال ابن أبي العز (792 هـ) (¬1): "أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرًا ينقل عن الملة بالكلية" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك" (¬3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} (¬4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن ما دون الشرك من المعاصي فإنه تحت مشيئته سبحانه، إن شاء غفر، وإن شاء عاقب، فلو كانت الكبائر كفرًا وصاحبها كافرًا ما كان أهلًا للمغفرة؛ لأنه قد تقرر أن الكفر لا يغفره اللَّه تعالى، ولا يصح حمل الآية على التائب؛ لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وما دونه من المعاصي (¬5).
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه بين أن الطائفة الباغية على الأخرى مؤمنة مع
¬__________
(¬1) هو علي بن علي بن محمد بن أبي العز، وقيل: اسمه محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز، الحنفي، الدمشقي، فقيه، كان قاضي القضاة بدمشق، ثم بالديار المصرية، ثم بدمشق مرة أخرى، هو الذي امتحن بسبب اعتراضه على قصيدة ابن أيبك الدمشقي، من كتبه: "التنبيه على مشكلات الهداية" في الفقه، و"النور اللامع فيما يعمل به في الجامع" أي جامع بني أمية، و"شرح العقيدة الطحاوية"، ولد سنة (731 هـ)، وتوفي سنة (792 هـ). انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر 4/ 103، إنباء الغمر بأنباء العمر 3/ 50، الأعلام 4/ 313.
(¬2) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (301)، وانظر: (315).
(¬3) فتح الباري (12/ 60).
(¬4) سورة النساء، آية (48).
(¬5) انظر: التمهيد (17/ 16)، مجموع الفتاوى (7/ 484).
(¬6) سورة الحجرات، آية (9).

الصفحة 130