كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
-صلى اللَّه عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله) (¬1).
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: في الأحاديث السابقة دلالة على إقامة الحد ثانية على من أتى به، حيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بجلد الأمة إن زنت ثانية أو ثالثة، وبقطع السارق إن تكررت سرقته، وجلَد حمارًا أكثر من مرة بسبب شربه للخمر.
• المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن من سرق وأقيم عليه الحد، ثم سرق ثانيةً نفس العين، ولم تتغير العين بأن كانت خشبًا فصارت بابًا، أو خيطًا فصارت ثوبًا، فإنه لا يُحد مرة أخرى.
أما إن كانت العين قد تغيَّرت، أو كانت عينًا أخرى فيجب الحد ثانية.
وهو قول الحنفية (¬2).
وذكر ابن حزم خلافًا فيمن سرق ثانية هل يُقام عليه الحد أو لا فقال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا" (¬3).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري رقم (6398).
(¬2) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 219).
(¬3) مراتب الإجماع (221)، ولم يذكر ابن حزم من هو المخالف، ولعله أشار بذلك إلى قول عطاء بن أبي رباح، حيث أخرج عنه ابن حزم أثرًا حاصله أن الواجب على السارق قطع يده في السرقة الأولى فقط، ثم لا يقطع منه شيء، قال ابن حزم المحلى (12/ 350): "عن ابن جريج قلت لعطاء: سرَق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه، قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال اللَّه تعالى: فَاقْطَعُوا أيْدِيَهُمَا (سورة المائدة، آية 38) ولو شاء أمر بالرجل، ولم يكن اللَّه تعالى نسيًا".
إلا أن هذا النقل عن عطاء لا يُجزم به، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ما يدل على أنه موافق للجمهور في أن من سرق ثانية قطع ثانية، فقال في مصنفه (6/ 485): "عن عبد الملك عن =