كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)

وكذا في حد السرقة ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن شرط الاختيار غير معتبر في حد السرقة، فمن سرَق مكرَهًا وجب إقامة الحد عليه.
وهو قول عند الشافعية (¬1)، ورواية عن الإمام أحمد (¬2).
الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- رجحان القول الأول بأن الاختيار شرط لإقامة الحدود؛ لقوة أدلته، ومناقشة القول الثاني.

الشرط الثالث: انتفاء الشبهة: يشترط لإقامة الحد على الشخص ألا يكون له شبهة في ارتكابه لما يوجب الحد، ومن الأدلة على هذا الشرط:
الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬3).
¬__________
(¬1) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (105).
(¬2) انظر: الفروع (6/ 122)، الإنصاف (10/ 253).
(¬3) أخرجه الترمذي رقم (1424)، قال ابن حجر في "تلخيص الحبير": "في إسناده يزيد بن زياد الدمشقي، وهو ضعيف، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك. . . . وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: "ادرءوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم" روي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضًا موقوفا، وروي منقطعا وموقوفا على عمر.
قلت: ورواه أبو محمد بن حزم في كتاب الإيصال من حديث عمر موقوفا عليه بإسناد صحيح". وقد روي الحديث موقوفًا على عائشة، وقرر الترمذي أن الموقوف أصح كما في سننه (4/ 33) حيث قال: "حديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورواه وكيع عن يزيد بن زياد نحوه ولم يرفعه ورواية وكيع أصح"، وكذا قال البيهقي في السنن الكبرى (8/ 238): "رواية وكيع أقرب إلى الصواب". لكن الألباني ضعف الحديث مرفوعًا وموقوفًا كما في "إرواء الغليل" (8/ 25) حيث قال: "هو ضعيف مرفوعًا وموقوفًا، فإن مداره على يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك كما في "التقريب"، ولذلك لما قال الحاكم عقبه: "صحيح الإسناد" رده الذهبي بقوله: "قلت: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك".

الصفحة 31