كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
الدليل الثاني: عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد (¬2) حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، فإذا سرق فيهم الضعبف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (¬3).
• وجه الدلالة: الحديث دليل على تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، وذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تلون وجهه حين طُلبت منه الشفاعة، وبيَّن حرمة ذلك على الشريف والوضيع.
¬__________
= الطبقات الكبرى 2/ 386، التعديل والتجريح 3/ 1001، لسان الميزان 9/ 371.
(¬1) هي أم عبد اللَّه، عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أم المؤمنين، تزوجها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع، وهي من أفضل الأمة علمًا وفقهًا ودينًا، برأها اللَّه من الزنا، وكانت أحب أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه، والأحاديث في فضائلها مشهورة، توفيت في رمضان سنة (57 هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1881، الإصابة 4/ 359، أعلام النساء لعلي التوفر 2/ 760.
(¬2) هو أبو زيد، أسامة بن زيد بن حارثة، حِب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومولاه وابن مولاه، كان أسود البشرة، خفيف الروح، شجاعًا، رباه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأحبه، مات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن ثماني عشرة سنة، كان ممن اعتزل الفتنة بعد موت عثمان، مات في آخر خلافة معاوية، سنة (54 هـ). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 61، أسد الغابة لابن حجر 1/ 79، الإصابة 1/ 49.
(¬3) أخرجه البخاري رقم (3288)، ومسلم رقم (1688).