كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬1).
وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: قال صفوان: فأتبته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال: (فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) (¬2).
• وجه الدلالة: أن صفوان أراد أن يرجع عن طلبه بالحد، فبيَّن له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأمر إذا بلغ الإمام فلا يمكن إبطاله، ولو بتنازل صاحب الحق.
الدليل السادس: أن الحدود حق للَّه تعالى، والإمام إنما هو نائب عن اللَّه تعالى في الاستيفاء، ومكلَّف بأخذ حقه تعالى بالحد (¬3).
الدليل السابع: أن قبول الشفاعة في الحدود يفضي إلى إبطال الحدود جملة، أو إبطالها عن الشريف وأصحاب الوجاهة، وتخصيصها بالوضعاء الفقراء، وهو ما حذر منه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث عائشة رضي اللَّه عنها السابق (¬4).
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد (24/ 15)، والنسائي رقم (4884).
(¬2) أخرجه أبو داود رقم (4394)، والنسائي رقم (4883)، وأخرجه ابن ماجه، رقم (2595) بلفظ قريب منه. والحديث ضعفه ابن حزم حيث قال في "المحلى" (12/ 57): "وأما حديث صفوان فلا يصح فيه شيء أصلًا؛ لأنها كلها منقطعة؛ لأنها عن عطاء، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وابن شهاب، وليس منهم أحد أدرك صفوان. ووافقه عبد الحق حيث قال: "لا أعلمه يتصل من وجه صحيح". لكن صححه آخرون من رواية طاووس، فقد أشار ابن عبد البر في التمهيد (11/ 219) إلى احتمال اتصالها من جهة أن سماع طاووس من صفوان محتمل؛ لأن طاووسًا أدرك عثمان -رضي اللَّه عنه-، وقال: أدركت سبعين شيخًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وأخرج الحاكم في "المستدرك" (4/ 422) الحديث من رواية طاووس عن عباس -رضي اللَّه عنه-، وهذه الرواية سالمة من الانقطاع، ثم قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وصححه الذهبي في تعليقه على المستدرك، قال الألباني في "إرواء الغليل" (7/ 347): "وهو كما قالا، ولكني أتعجب منهما كيف لم يصححاه على شرط الشيخين".
(¬3) انظر: المبسوط (9/ 197).
(¬4) انظر: المرجع السابق.