كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
بإخراجه من المسجد.
الدليل الرابع: أن إقامة الحد لا يؤمن منه تلويث المسجد، من دمٍ ونحوه، والشارع أمر بتطييب المساجد وتطهيرها، كما في قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (¬1) (¬2).
الدليل الخامس: أنه لا يؤمن من إقامة الحد في المسجد أن يرفع المحدود صوته في المسجد، وقد نهي عن ذلك (¬3).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز إقامة جميع الحدود في المساجد.
وبه قال ابن أبي ليلى (¬4)، وهو مروي عن الحسن البصري (¬5)، وشريح،
¬__________
(¬1) سورة البقرة، آية (125).
(¬2) انظر: المحلى (12/ 11)، أسنى المطالب (4/ 161).
(¬3) انظر: المبسوط (9/ 101 - 102)، بدائع الصنائع (7/ 60)، المغني (9/ 143).
ومما ورد في النهي عن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت في المساجد، رقم (458) عن السائب بن يزيد قال: كنت قائمًا في المسجد، فحصبني رجل، فنظرتُ، فإذا عمر بن الخطاب، فقال: "اذهب فاتني بهذين"، فجئته بهما، قال: "من أنتما أو من أين أنتما؟ " قالا: من أهل الطائف، قال: "لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما؛ ترفعان أصواتكما في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-". قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 561): "قوله: (لأوجعتكما) زاد الإسماعيلي: (جلدًا) ومن هذه الجهة يتبيَّن كون هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي".
(¬4) انظر: الأم (7/ 172)، أحكام القرآن للجصاص (3/ 388).
(¬5) هو أبو سعيد، الحسن بن أَبي الحسن البصرى، إمامُ أهل البصرة في زمانه، قال ابن سعد: "كان جامعًا، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، حجةً، مأمونًا، عابدًا، ناسكًا، كثير العلم، فصيحًا، جميلًا وسيمًا"، وقال العجلي: "تابعي ثقة، رجل صالح، صاحب سنة"، وقال ابن حجر: "ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس"، ولد بالمدينة سنة (21 هـ)، ورأى عشرين ومائة من أصحاب النبي -رضي اللَّه عنه-، وتوفي سنة (112 هـ). انظر: معرفة الثقات للعجلي 1/ 292، العبر في خبر من غبر 1/ 136، تهذيب التهذيب 2/ 231.