كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
القول الثالث: أنه لا يحد بمجرد الرائحة بل لا بد أن ينضم معها قرينة أخرى، مثل أن يوجد جماعة شهروا بالفسق، ويوجد معهم خمر، ويوجد من أحدهم رائحة الخمر. وهذا القول مروي عن عطاء (¬1)، وحكاه ابن حجر عن الموفَّق ابن قدامة (¬2).
• دليل المخالف: استدل من منع الحد بالرائحة بـ:
أن الرائحة قد يكون سببها أن الرجل تمضض بها، أو شربها يحسبها ماء، أو شرابًا مباحًا ريحه كريح الخمر، أو نحو ذلك من الشُبَه المحتملة التي تدرأ بها الحدود (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهي كما قال ابن حجر: "والمسألة خلافية شهيرة" (¬4).
وأما من نقل الإجماع فيها فإنما نقل إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في ذلك من باب الإجماع السكوتي الذي لا يُعرف له مخالف، وهذا منازع من وجهين:
¬__________
(¬1) رواه الشافعي في "الأم" (6/ 194)، وأخرج ابن أبي شيبة (6/ 533) عن عطاء "أنه لا يرى في الريح حدًا".
(¬2) انظر: فتح الباري (9/ 50)، حيث قال: "ولما حكى الموفَّق في "المغني" الخلاف في وجوب الحد بمجرد الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها، بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها، ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر".
ولم أجد هذا الاختيار للموفق في "المغني" بل حكى الخلاف في المسألة ونصر مذهب الحنابلة بعدم الحد بموجب الرائحة كما في المغني (9/ 138 - 139)، وإن كان إقامة الحد بموجب القيء كأنه يميل للقول به لكنه لم يصرِّح وإنما قوَّى الأدلة في ذلك.
(¬3) انظر: المغني (9/ 138)، فتح الباري (10/ 65).
(¬4) فتح الباري (9/ 50).