كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)
الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول اللَّه أن كان ابن عمتك، فتلون وجه نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: (يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، فقال الزبير: واللَّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1) متفق عليه (¬2).
الدليل الرابع: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمًا، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، قال: فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فساورته، فغضب من ذلك غضبًا شديدًا واحمرَّ وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له، قال: ثم قال: (قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) متفق عليه (¬3).
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك تعزير الأنصاري، مع أنه اتهمه في عدْله، وأنه حابى ابن عمته، وترك تعزير من اتهمه بعدم العدل في القسمة، وترْك تعزيرهما يدل على عدم وجوبه (¬4).
ويناقش الاستدلال: باحتمال أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك تعزيرهما لأن المصلحة كانت تقتضي ذلك.
الترجيح: الذي يظهر -واللَّه أعلم- أن القول الأول هو الراجح، لأمرين:
الأول: أن التعزير إن كان لحقوق الآدميين، وطلب المجني عليه إقامته
¬__________
(¬1) سورة النساء، آية (65).
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2231)، ومسلم رقم (2357).
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3224)، ومسلم رقم (1062).
(¬4) انظر: المغني (9/ 149 - 150).