كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 9)

الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمًا، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، قال: فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فساورته، فغضب من ذلك غضبًا شديدًا واحمرَّ وجهه حتى تمنيت أنِّي لم أذكره له، قال: ثم قال: (قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) متفق عليه (¬1).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُعزر الرجل الذي قال له: "أن كان ابن عمتك"، وكذا الذي قال له: "إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه"، مع أن هذا قدح في عدل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أصحابه في الحكم، وهذا يدل على أن للإمام ترك العقوبة بالتعزير، ولا فرق بين أن يتركها بموجب الشفاعة أو بغير ذلك، إن رأى العفو (¬2).
الدليل الثالث: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقمه علَيَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة قام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقم فيَّ كتاب اللَّه، قال: (أليس قد صليت معنا؟ ) قال: نعم، قال: (فإن اللَّه قد غفر لك ذنبك -أو قال حدك-) متفق عليه (¬3).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُعزَّر صاحب الذنب الذي أراد إقامة الحد عليه، وهو يدل على أن الإمام له العفو عن صاحب المعصية، ولا فرق أن يكون ذلك بموجب الشفاعة أو من قبل الإمام ابتداء (¬4).
الدليل الرابع: عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أقيلوا
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري رقم (3224)، ومسلم رقم (1062).
(¬2) انظر: المغني (9/ 149 - 150).
(¬3) أخرجه البخاري رقم (6437)، ومسلم رقم (2764).
(¬4) انظر: المغني (9/ 149 - 150).

الصفحة 784