وكانوا إذا لاموه على ترك الدنيا يقول: إني فارقتُ أصحابي على أمر، وأخافُ إنْ خالفتُهم أن لا ألحقَ بهم (¬1).
وقالت عائشة - رضي الله عنها -: ما رأيتُ أحدًا أشبهَ بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين دُفنوا في الدار (¬2) من عبد الله بن عمر.
[وقال أبو نُعيم: كتبَ الحجَّاج بنُ يوسف إلى ابن عمر: بلغني أنك تطلبُ الخلافة، وإنها لا تصلح لِعَيِيَّ، ولا بخيل، ولا غيور. فكتب إليه ابن عمر: أمَّا ما ذكرتَ من الخلافة؛ فإني ما طلبتُها, ولا هي من بالي، وأما ما ذكرتَ من العِيّ والبُخل (والغَيرة)، فمن جمعَ كتابَ الله؛ فليس بِعَيِيٍّ، ومَنْ أدَّى زكاةَ مالِه؛ فليس ببخيل، وأمَّا الغَيرة؛ فأَحَقُّ ما غِرْتُ فيه ولدي أن يَشْرَكَني فيه غيري] (¬3).
وأعتقَ ابنُ عُمر جاريةً له يقال لها: رُميثة، وقال: سمعتُ الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وإنِّي واللهِ لأُحبُّكِ، اذهبي فأنت حُرَّةٌ لوجه الله تعالى (¬4). ولولا أني لا أعودُ في شيء جعلتُه لله؛ لنكحتُها. فأَنكَحَها نافعًا مولاه، فهي أمُّ ولدِه (¬5).
وقال نافع: كان ابنُ عمر إذا أعجبَه شيءٌ من ماله تقرَّب به إلى الله تعالى، فكان رقيقُه قد عرفوا منه ذلك، فربَّما لزمَ أحدُهم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقال له: إنهم يخدعوك. فيقول: مَنْ خدعَنا في الله انخدعنا له (¬6).
¬__________
(¬1) ينظر "طبقات" ابن سعد 4/ 135.
(¬2) كذا في (أ) و (ب) و (خ) و (د). ولم يرد الخبر في (ص) و (م) وهو في "الزهد" لأحمد ص 242, و"حلية الأولياء"1/ 301، و "صفة الصفوة" 1/ 568: وفيها: النمار، بدل: الدار.
(¬3) حلية الأولياء 1/ 292. وأخرجه من طريقه ابنُ عساكر 37/ 98 (طبعة مجمع دمشق). ولفظة (المغيرة) بين قوسين عاديين منهما. وهذا الخبر (وهو بين حاصرتين) من (ص) و (م).
(¬4) حلية الأولياء 1/ 295، و "تاريخ دمشق" 37/ 57. ونسب الخبر في (ص) و (م) لأبي نعيم.
(¬5) المستدرك 3/ 561، و "المنتظم" 6/ 135. ولم ترد هذه القطعة من الخبر في (ص) و (م).
(¬6) حلية الأولياء 1/ 294، وتاريخ دمشق 37/ 53.