رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] شاهَت الوجوه، فأنتُم أشباهُ أولئك، فاستوسقوا واستقيموا، فواللهِ لأُذِيقنَّكُمُ الهَوان حتى تَدِرُّوا، ولأعْصِبنَكُم عَصْبَ السَّلَمة حتى تنقادوا، فطالما أوْضَعْتُم في الفتن، وسننتُم سنن الغَيّ (¬1)، أُقسم بالله لَتَدَعُنَّ الإرجاف، ولَتَقْبَلُنَّ الإنصاف، ولَتَدَعُنَّ الخلاف ولتَنْزِعُنَّ عن قِيل وقال، وكان وكان، وأخبرَني فلان عن فلان، والهن وما الهن (¬2)، أو لأَهْبِرَنَّكم بالسيف هَبْرًا يدعُ النساءَ أَيَامَى، والولْدانَ يتامى، وحتى تمشوا السُّمَّهَى (¬3)، وتُقلعوا عن ها وها، لا يركبنَّ أحدٌ منكم إلا وحدَه، وإياكم وهذه الزَّرافات، فلو ساغ لأهل المعصية معصيتُهم ما جُبِيَ فَيء، ولا قُوتِلَ عدوّ، ولتعطَّلت الثُّغور، وقد بلغني رَفْضُكُم المهلَّب وإقبالُكم إلى مِصْركم عصاة مخالفين، وإني أُقسم بالله إن وجدتُ مِن بعثِ المهلَب بعد ثالثة أحدًا ضربتُ عنقَه، واللهِ لقد سألتُ اللهَ أن يبتليَكُم بي، وإنّي سريتُ البارحة، فسقطَ سوطي، وهذا سيفي عِوَضُه، وقد بان الصبح لذي عينين، وليس ممَّن يُقَعْقَعُ لي بالشِّنان (¬4)، ولا أُغمَزُ تغماز التِّين (¬5).
فتساقطت الحجارة التي أرادوا أن يحصبوه بها من أيديهم، وذلُّوا، ثم قرأ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} الآيات (¬6).
ثم قال: يا غلام، هاتِ كتابَ أمير المؤمنين. فأخرجَ الكتابَ ونَشَرَهُ، وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد الملك أمير المؤمنين إلى [أهل] العراق، سلام عليكم.
¬__________
(¬1) في "مروج الذهب" 5/ 295: سنن السوء. وتحرفت العبارة في النسخ الخطية إلى: وسبيتم سبي الفيء. والتصحيح من "أنساب الأشراف" 6/ 391.
(¬2) كذا في النسخ غير (ص) و (م)، فليس فيها الكلام. وفي "أنساب الأشراف" 6/ 394: الهبر ما الهبر. وكذا في "تاريخ" الطبري 6/ 204، لكن فيه: وما الهبر. وفي "البداية والنهاية" 12/ 247: الخبر وما الخبر.
(¬3) نقل الجوهري في "الصحاح" 6/ 2235 (سمه) عن أبي عمرو: جرى فلان السُّمَّهَي: إذا جرى إلى غير أمر يعرفه. ووقع في "الكامل" 4/ 376: حتى تذرُوا السُّمَّهَي، وقال ابن الأثير: السمهَي: الباطل.
(¬4) يقال في المثَل: ما يُقعْقَعُ له بالشِّنان، أي: لا يتَّضعُ لِما ينزل به من حوادث الدهر. والشنان: جمع شَنّ، وهو القِرْبةُ البالية؛ يحرّكونها إذا أرادوا حث الإبل على السير لتفزع فتسرع. ينظر "مجمع الأمثال" 2/ 261.
(¬5) في (أ): ولا يُغمز جانبي تغماز التين، وهو بنحوه في "العقد الفريد" 4/ 121.
(¬6) من قوله: هذا أوان الشدّ فاشتدّي زيم ... إلى هذا الموضع، ليس في (ص).