كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

فقالت: ألم تعلم أنَّ دارَه هُدمت ثلاث مرَّات لأجلك؟ ! ألم تكتب إلى وجوه أهل البصرة، فلم يُجِبك غيرُه؟ ! ألم تعلم أنه كان سيفًا قاطعًا لأعدائك، سِلْمًا لأوليائك؟ ! أفيذهب صالحُ أيامه بطالحها؟ ! قال: هو آمن. قالت: اللهَ اللهَ في الدماء، فإنَّه الحجَّاج.
فكتب لها على البريد إلى الحجَّاج بالإحسان إليه وإكرامه، ثم قال لها: ما أنتِ منه؟ قالت: ابنةُ عمِّه وزوجتُه، نشأتُ في حجر أبيه، فقال: واللهِ لأنتِ أعربُ منه وأفصحُ لسانًا، فهل معه غيركِ (¬1)؟ قالت: نعم، ابنةُ عُبيد بن كلاب النميري، وكذا وكذا جارية. قال: فأنا أُوليك طلاقَ زوجتِه وعتقَ جواريه، فقالت: بل تهنئه نساءَه كما هنأتَه دمَه. فقال عبد الملك لأمِّ أيوب: لا نساءَ إلا بناتُ العمّ.
وقدم البريدُ على الحَجَّاج بالكتاب وقد أقام عبدَ الله بنَ فَضَالة في سراويل ليعذِّبه، ثم ليقتلَه، فأطلقَه وكساه وحملَه، وانصرف إلى أهله، فسأل عن حبَّة، فقالوا: لا ندري إلى أين توجَّهت. وبلغه ما صنعت، فأرسل إليها: أخبريني بقدومك حتى ألقاك، فقدمت ولم ترسل إليه.
وكان قدومُها ليلًا وهو عند ضَرَّتِها، فقالت: لا تُؤذنوه، فلما أصبحَ أتاها فشكرها (¬2).
وفيها كتبَ الحجَّاجُ إلى المهلَّب بمناهضة الخوارج، فسارَ إليهم ومعه عبد الرحمن بنُ مِخْنَف على جند الكوفة، فأجلَوْهم عن رامَهُرْمُز، وقُتل عبدُ الرحمن بن مِخْنَف.
قال هشام بن محمد: ناهضَ المهلَّبُ الخوارجَ يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان سنة خمس وسبعين، فأجْلَوْهُم عن رامَهُرْمُز، فخوجوا على حامية، فنزلوا أرض سابور بمكان يقال له: كازرون، وسار المهلَّب وعبدُ الرحمن خلفَهم، فنازلوهم غرَّة رمضان، فخندقَ المهلَّبُ عليه، وما كان ينزلُ بمكانٍ إلا خندقَ عليه احترازًا من البيات، وأراد
¬__________
(¬1) في النسخ الخطية: فهل معكِ غيرك. وهو خطأ. والتصويب من "مختصر تاريخ دمشق" 7/ 306.
(¬2) الخبر بتمامه في "مختصر تاريخ دمشق" 7/ 303 - 306. ويقارن صدر الخبر بما في "أنساب الأشراف" 5/ 404 - 405.

الصفحة 153