وقال له ابنُه: بيني وبين قوم خُصومة، فانظر، فإن كان الحقُّ لي خاصمتُهم، وإنْ لم يكن الحقّ لي، لم أُخاصمهم. وقصَّ قصَّتَه عليه. فقال: انطلِقْ فخاصمْهم. فتخاصموا إليه، فقضى على ابنه، فقال له: يا أبه، فضحتَني. فقال: يا بنيّ، واللهِ لأنتَ أحبّ إلي من مِلْءِ الأرض مثلهم، ولكنَّ اللهَ أعزُّ عليَّ منك، خشيتُ أن أخبرَك أنَّ القضاء عليك، فتُصالحَهم، فتذهبَ ببعض حقّهم (¬1).
[قال: ] (¬2) وكان إذا خرجَ إلى القضاء قال: سيعلم الظالم حظَّ مَنْ نَقَص، إن الظالم ينتظرُ العقاب، والمظلوم ينتظر النصر.
[قال]: واختصم إليه رجلان، فقضى على أحدهما، فقال: قد علمتُ من حيث أُتيت. فقال شُريح: لعن الله الراشيَ والمرتشيَ والكاذب (¬3).
وأقرَّ رجل عنده بحقّ، ثم ذهب لينكر، فقال له شُريح: قد شهد عليك ابنُ أختِ خالتِك (¬4).
[قال: فكان إذا غضب أو جاع قام.
قال: ولبث شُريح في فتنة ابن الزبير تسع سنين لا يستخبر ولا يخبر بشيء.
قال: وكان أبيض الرأس، وكان إذا ماتت له سنّور دفنها في داره.
وهذه روايات ابن سعد (¬5).
وقال الشعبي: جاءت امرأة إلى شُريح، فخاصَمَتْ وجعلَتْ تبكي. قال: فقلتُ: ما أظنُّها إلا مظلومة. فقال: يا شعبيّ، إخوةُ يوسفَ جاؤوا عشاءً يبكون!
وحكى ابن عساكر عن الشعبيّ قال (¬6): خرج علي - عليه السلام - إلى السُّوق، فإذا بنصرانيّ يبيع دِرْعًا، فعرفَ عليّ الدِّرْع. فقال: هذه دِرْعي. فأنكر النصرانيّ وقال: بيني
¬__________
(¬1) المصدر السابق 8/ 256. ونُسب الخبر في (ص) و (م) إليه.
(¬2) يعني ابن سعد، فقد نُسب الخبر الذي قبله إليه. وهو في "طبقات" ابن سعد 8/ 256.
(¬3) المصدر السابق.
(¬4) المصدر السابق 8/ 257. قال ابن سعد بإثره: يعني أنك قد أقررتَ على نفسك.
(¬5) ينظر "طبقات" ابن سعد 8/ 262 - 264.
(¬6) تاريخ دمشق 8/ 44 (مصورة دار البشير).