كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

فإذا هَمَمْتَ بضربِهِ فَبِدِزَةٍ ... وإذا ضَرَبْتَ بها ثلاثًا فاحْبِسِ
واعْلَمْ بأنَّك ما أتيتَ فنفسهُ ... مع ما يُجَرِّ عُني أعزُّ الأنفسِ
فليأتينَّكَ عامدًا بصحيفةٍ ... نَكْداءَ مثلِ صحيفةِ المُتَلَمِّسِ
فلما قرأ المعلم الصحيفة ضربه ستًّا، فأرسل إليه شريح: أمرتُك أن تضربَه ثلاثًا، فلِمَ ضربتَه ستًّا؟ ! فقال: ثلاثة لأمرك، وثلاثة لكونه حمل صحيفةً لا يدري ما فيها (¬1).
وقيل: بعث شُريح إلى المعلم البيتَ الأول، والثاني، والخامس، فحمل الغلامُ الخوف على أنه فتحها، وزاد فيها البيت الثالث والرابع.
ومرَّ شُريح على المؤدِّب، فقال: ما صنعت؟ قال: ضربتُ ثلاثًا ولم أتجاوزْ ما قلتَ. فقال: ما أمرتُ بثلاثٍ ولا بغيرها، فأخرجَ الرقعة وقال: هذه رقعتُك، فنظر إليها وقال: أمَّا الثلاث، فأنا قلتُها، وأما الثالث والرابع، فلا أعرفهما. فقال للغلام: مَنْ عملَ هذَين؟ قَررَه، فقال: أنا. فقال: أردِفْهما بشيءٍ حتى نعلمَ صدقَك. فأخذ الرقعة، وكتب على ظهرها:
يا أيها القاضي الذي ما مثلُه ... ممَّن تراهُ قاضيًا في مجلس
ارْفُقْ بمن أسعرتَ خوفًا قلبَهُ ... وتركتَه قلقًا بعقلِ مُوَسْوَسِ
إنَّ المعلم لا يقومُ لضربهِ ... أحد ومَنْ يصبرْ عليه ينكَسِ
رجلٌ إذا أخذَ العصا فمَدَارُها ... ما بين أسْوُقِنا وبين الأرْؤُسِ
لا يرحمُ الطفلَ الصغيرَ لضعفِهِ ... وكذا الكبيرُ بكأس ذُل يحتسي
سبحانَ مَنْ خَلَقَ المُعَلم قاسيًا ... أهونْ عليك بطَب كل منكَس
فدمعت عينا شُريح. وقال للمعلم: الزَمْ بيتَك. وأحسَنَ جائزَتَه (¬2).
وقع الطاعون بالكوفة، فخرجَ صديق لشُرَيح إلى النَّجَف، فكتب إليه شُرَيح:
¬__________
(¬1) أخبار القضاة لوكيع 2/ 207 - 208، و "تاريخ دمشق" 8/ 57 (مصورة دار البشير). وينظر "حلية الأولياء" 4/ 137. ولم يرد هذا الخبر في (ص) و (م).
(¬2) لم أقف على هذه الرواية، ولم ترد في (ص) و (م).

الصفحة 175