كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

فإذا بمنديل أبيض، فنزلتُ عن دابتي، وأخذتُ المنديل، وإذا فيه دُوْخَلَةٌ (¬1) مَلْأَى رُطَبًا، فأخذتُه وركبتُ دابتي، وأكلتُ منه حتى شبعتُ (¬2).
وأدركني المساء، فنزلتُ على راهب في دَير له، فحدَّثتُه الحديث، فاستطعمني من الرُّطَب، فأطمعتُه رُطَبات.
[قال: ] ثم إني مررتُ على ذلك الراهب، فإذا نخلاتٌ حِسان حمالات [-أو: نخل حمال-] فقال: إنهن لمن رُطَباتك التي أطعمتتي.
وجاء بالثوب (¬3) إلى أهله، فكانت امرأتُه تُريه الناس (¬4).
[وكانت معاذة العدويَّة زوجة صلة بن أشيم، فروى أبن أبي الدنيا عن رجل من بني عدي- قال: ] ولما أُدخلت (¬5) مُعاذةُ العدويَة إلى صِلَة؛ أدخلَه ابنُ أخيه الحمَّام، ثم أدخلَه بيتًا مُطَيَّبًا، فقام يصلِّي، فقامَتْ مُعاذة فصلَّتْ خلفَه، فلم يزالا كذلك حتى برقَ الفجر. قال ابنُ أخيه: فأتيتُه فقلت: أي عمّ، أُهدِيَتْ لك ابنةُ عمك الليلةَ، فقمتَ تصلي وتركتَها! فقال: إنك أدخلْتَني أَمْسِ بيتًا أذكرتَني به النار، ثم أدخلتَني بيتًا أذكَرْتَني به الجنَّة، فما زلتُ مفكِّرًا فيهما حتى أصبحتُ (¬6).
وقال الحسن البصري: ماتَ أخٌ لنا، فصلينا عليه، فلمَّا وُضع في قبره ومُد عليه الثوب؛ جاء صِلَة بنُ أشيم، فأخذَ بناحية الثوب، ثم نادى: يا فلان بن فلان:
فإنْ تَنْجُ منها تَنْجُ من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالُك ناجيا
قال: وبكى وأبكى الناس (¬7).
¬__________
(¬1) أي: قُفَّة.
(¬2) حلية الأولياء 2/ 239، وصفة الصفوة 3/ 218. قال الذهبي في "السير" 3/ 499: هذه كرامة ثابتة.
(¬3) أي: المنديل السالف ذكره.
(¬4) صفة الصفوة 3/ 218 - 219.
(¬5) في (ص) و (م): أهديت.
(¬6) صفة الصفوة 3/ 219.
(¬7) حلية الأولياء 2/ 241، وصفة الصفوة 3/ 219، ونُسب الخبر في (ص) و (م) لأب نعيم.

الصفحة 179