كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

من أبيات، فقال مَن حَضر من أهل الشام: أيها الأمير، إنه قد أحسن، فخلِّ سبيلَه، فقال الحجّاج: والله ما أراد بهذا المدح، وإنما قاله حَنَقًا وتَغَيُّظًا على أصحابه حيث لم يَظفَروا بكم، وظهرتُم عليهم، ثم قال له: ألست القائل:
بين الأشَجِّ وبين قَيسٍ باذِخٌ؟
قال: بلى، قال: فأنشِدْها، فأنشد: [من الكامل]
كم من أبٍ لك كان يَعْقِدُ تاجَه ... بجَبينِ أبْلَجَ مِقْوَلٍ صِنْديدِ
وإذا سألتَ: المجدُ أين مَحَلُّه ... فالمَجْدُ بين محمدٍ وسعيدِ
بين الأشَجِّ وبين قيسٍ باذِخٌ ... بَخْ بَخْ لوالدِه وللمَولودِ
قال له الحجاج: وَيحك، هذا لابن الحائك، فما أبقيتَ لمَن بعده؟ والله لا تُبَخْبغُ بعدها لأحدٍ أبدًا، وضرب عُنقه.
فقال الشعبي: قدمتُ البصرةَ، فجلست في حَلقةٍ فيها الأحنف بن قيس، فقال رجل من القوم: من أين أنت؟ فقلت: من الكوفة، فالتفت إلي رجل فقال: هذا مولانا، أي: عبدنا، فقلت له: هل علمتَ ما قال أعشى هَمْدان فينا وفيكم؟ قال: وما الذي قال: قلت: [من الرمل]
وإذا فاخَرْتُمونا فاذكُروا ... ما فعَلْنا بكمُ يومَ الجَمَلْ
إن ذاك اليوم لا مِثلَ له ... فانتَهُوا قد سَبَقَ السَّيفُ العَذَلْ
بين شيخٍ خاضِبٍ عُثْنُونَه ... وفَتىً أبيضَ وَضّاحٍ رِفَلّ (¬1)
جاءنا يَهْدِرُ في سابِغَةٍ ... فذَبَحْناه ضُحًى ذَبْحَ الجَمَلْ
ثم ناداكُم مُنادٍ أنه ... آمِنٌ مَن رَدَّ بابًا ودَخَلْ
وعَفَوْنا فنَسِيتُم عَفْوَنا ... وكفَرْتُم نِعْمَة الله الأَجَلّ
أفَخَرْتُمْ أن قَتَلْتُم أعْبُدًا ... وهَزَمْتُم مُرَّةً آلَ رُغَلْ (¬2)
نحن قُدناكُم صغارًا عَنْوَةً ... وجَمَعْنا أمرَكُمْ بعد الفَشَلْ
قال: فغضب الأحنف بن قيس وقال: هاتوا تلك الصَّحيفة، فإذا هي من المختار إلى الأحنف بن قيس ومَن قِبَلَه من مُضَر: أما بعد، فويلٌ لمُضَر من شَرٍّ قد حَضَر، ولابد
¬__________
(¬1) العُثنون: ما نبت على الذقن وتحته سفلًا، والرِّقَلُّ: الطويل الذيل من الثياب.
(¬2) في الأغاني 6/ 55: آل عَزَل. يريد بهم الخوارج.

الصفحة 323