كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

[وقال الهيثم: ] قدم بَرْمَك [أبو خالد] الشام، فدخل على عبد الملك يوم جلوسه، فلما وقعت عين عبد الملك عليه قال: إن مع هذا سَمُّ ساعة، فدعا به وقال: كيف دخلتَ مجلسي ومعك سم ساعة؟ ! قال: لأنّا ملوك ونخاف من الضَّيم، فإن أُضِمنا أكلْناه فنموت ونستريح، فأُعجب عبد الملك به، وقرَّبه واختصّ به.
وإنما علم عبد الملك بذلك لأنه كان في عَضُده دُمْلُج (¬1) من فضة، في وسطه تمثال ثَورين، فإذا حضر مجلسَه السَّم انتطح الثوران فيعلم بذلك.
[وقال ابن الكلبي: ] أتي عبد الملك بسكران فقال له: وَيحك ما هذا؟ أشربتَ المسكر؟ ! فقال: [من الطويل]
شربتُ على الجَوزاء كأسًا رَويَّة ... وأخرى على الشِّعْرى إذا ما استَهلَّتِ
مُحَرَّمةً كانت قريش تصونُها ... فلما استحلُّوا قتلَ عثمان حَلَّتِ
فقال أطلقوه.
وقال: أفضل الرجال مَن تواضع عن رِفعة، وزهد عن قُدرة، وأنصف عن قوة.
وكتب إلى الحجاج: [من المتقارب]
ولا تُفْشِ سرَّك إلا إليك ... فإن لكلِّ نصيحٍ نصيحا
فإني رأيتُ غُواةَ الرِّجا ... لِ لا يتركون أَديمًا صحيحًا (¬2)
[وقال الأصمعي: قال عبد الملك، يومًا لجلسائه: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: مناديل اليمن التي كأنها أزهار الربيع، وقال آخر: مناديل مصر التي تضاهي نجوم (¬3) السماء، وقال كل واحد شيئًا، فقال عبد الملك: ما أتيتم بشيء، أفضلُ المناديل مناديل عَبْدَة بن الطَّبيب حيث يقول: [من البسيط]
لمّا نزلنا ضَرَبْنا ظِلَّ أَخْبِيَةٍ ... وفار بالغَلْي للقوم المَراجيلُ
وَردً وأشقر لم يُنضِجْه طابخُه ... ما قارب النُّضجَ منه فهو مأكولُ
¬__________
(¬1) أي: سِوار.
(¬2) "العقد الفريد" 1/ 65، و "أنساب الأشراف" 6/ 359.
(¬3) في (ص): التي كأنها نجوم.

الصفحة 376