كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

شيئًا، فقال: قد وَهبتَه أعزَّ من المال وهو النفس، أفتبخَلُ عليه بما هو أهون منه،
فقال: قد أمرتُ بعطائه.
وقال الزبير: قال عبد الملك: والله لا أُعطيه شيئًا أبدًا، فلما خرجا من عنده قال ابن قيس لابن جعفر: ما نفعني أماني وقد تركني حيًّا كميت، لا آخذ مع الناس عطاءً، قال له ابن جعفر: كم بلغتَ من السنّ؟ قال: ستين سنة، قال: وكم تُؤَمِّل أن تعيش؟ قال: عشرين سنة، قال: كم عطاؤك في كل سنة؟ قال: ألفان، فأعطاه أربعين ألفًا وقال: إن عشتَ بعد الثمانين أعطيتك شيئًا آخر (¬1).
ومنهم عُبَيد بن حُصَين بن جَنْدَل، أبو جندل، الرّاعي النّميري الشاعر، [من بكر بن هوازن]، ولُقِّبَ الراعي لكثرة وصفه للإبل.
[وذكره ابن سلَّام] من الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين (¬2)، وكان يَعتَسِفُ الفَلاةَ بغير دليل [، ومعناه: لا يحتذي شعر شاعر].
وهو القائل لعبد الملك يشكو بعض عُمَّاله: [من البسيط]
أمّا الفَقيرُ الذي أَمْسَت حَلُوبَتُه ... وَفْقَ العِيالِ فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ
واختل ذو المالِ والمُثْرونَ قد بَقيتْ ... على التَأَثُّل من أموالهم عُقَدُ
فإن رفَعْتَ بهم رأسًا نَعَشْتَهم ... وإن لَقُوا مثلَها في عامِهم فَسَدوا (¬3)
وكان عبد الملك يقول: انكحوا إلى هذا الشيخ فإني أراه مُنجِبًا.
وكان الراعي في عصر جرير والفرزدق، وله معهما وقائع، فكان تارةً يُفضِّل جريرًا، وتارةً الفرزدق، فالتقاه يومًا جرير فقال: لا تدحْل بيني وبين ابن عمي (¬4)، وفيه يقول جرير: [من الوافر]
¬__________
(¬1) "الأغاني" 5/ 81 - 82، و"تاريخ دمشق" 44/ 386 - 386.
(¬2) ما بين معكوفين من (ص)، وقوله: من بكر بن هوازن، وقع فيها بعد هذا الوضع، فصار من كلام ابن سلَّام، وليس كذلك، فأعدته إلى حاق عوضعه. وانظر "طبقات فحول الشعراء" 2/ 502 (692).
(¬3) ديوانه 64 - 65، و"طبقات فحول الشعراء" 511، و"تاريخ دمشق" 45/ 24.السبد: الوبر، يعني لم يترك له شيء، عقد: بقايا قليلة.
(¬4) في (ص): فكان تارة يفضل هذا على هذا وتارة هذا على هذا ... لا يدخل بيني وبينك أحد ابن عمي؟ !

الصفحة 387