كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

فلما رأتْ رَكْبَ النُّمَيريّ راعَها ... وكُنَّ من اللُّقيا له حَذِراتِ
فقال الحجاج: حُقَّ لها أن تَرتاع، [أي: كانت تكره لقاءه لما شاع عنه أن يُشَبّب بها، ولهذا قال له الحجاج: ، وكيف لا ترتاع وهي صَوَّامةٌ قوَّامة، وما كان ركبك؟ قال: كنت على حمارٍ هَزِيل، ومعي رفيق على حمار مثله، ومعنا حمار آخر عليه القَطِران كنا نَجلُبه فنبيعه، فقال له الحجاج: لقد عَظَّمتَ رَكبك، ثم عفا عنه (¬1).
[وسنذكر أبا نمير في ترجمة الحجاج.]
وقد وفد على عبد الملك خلق كثيرًا، وقد ذكرناهم في أيّامه فيما تقدّم، .
ذكر وفاته:
حكى ابن أبي الدنيا، عن سعيد بن المسيب وقيل له (¬2): إن عبد الملك يقول: قد صِرتُ لا أفرح بالحسنة أعملها، ولا أحزن على السيئة أرتكبها، فقال: الآن تكامل موتُ قلبه، فمات بعد أيام.
[وقال أبو اليقظان: ] قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام كأن موسى عليه السلام قد ظهر بالشام وبيده عصا. فقال: الله أكبر، مات والله فرعونها، فجاء الخبر بعد أيام بموت عبد الملك بن مروان.
[وحكى ابن عساكر عن هشام بن عمار قال: ] مرض عبد الملك بوجع الكَبِد، فكان يشرب الماء فلا يروى، [فمنعوه إياه، فاشتد عطشه.
وقال المدائني: ] قال الأطباء: إن شرب الماء مات من ساعته، فازداد به العطش، فقال لابنه الوليد: اسقِني، فقال: لا أُعين عليك، فقال: يا فاطمة -لابنته- اسقيني، فمنعها الوليد، فقال: دَعْها وإلا خلعتُك، فسقته فمات.
وقال أبو العباس (¬3): نقلت عن أبان بن عثمان قال: لما ثقُل عبد الملك أرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية وخالد بن عبد الله [بن خالد] بن أَسِيد، فحضرا فقال: قد كان
¬__________
(¬1) "الأغاني" 6/ 192 - 198، و"تاريخ دمشق" 63/ 52 - 56.
(¬2) في (أ) و (خ) و (د): وقال سعيد بن المسيب، والمثبت من (ص). والخبر في "تاريخ دمشق" 43/ 278.
(¬3) هو ثعلب، والخبر في مجالسه 443 - 445، و"تاريخ دمشق" 5/ 482 - 483، وما بين معكوفين منهما، وانظر "المنتظم" 6/ 274.

الصفحة 392