كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 9)

وحكى ابن سعد أَيضًا عن أبي خَلْدَة قال: دخلتُ على أبي العالية، فقرَّب إلي طعامًا فيه بَقْل وقال: كل فإن هذا ليس من البقل الذي تخاف أن يكون فيه شيء، هذا أرسل به إليّ أخي أنس بن مالك من بستانه، قلت: وما شأن البقل؟ قال: إنه ينبت في مَنبت خَبيث تعلم ما هو، قلت: وما هو؟ قال: البول والحيض والنّجاسة.
وحكى عن أبي خَلْدة أَيضًا أنَّه قال: رأيت أَبا العالية يسجد على وِسادة وهو مريض على فراشه.
قال ابن عساكر: وذكره ابن مَنده في كتاب "معرفة الصَّحَابَة" فقال: أدرك أبو العالية زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسلم بعد وفاته بسنتين، ودخل أَصبهان مع أبي موسى في الفتح، وهو مولى أُميَّة بنت سُمَيّة (¬1)، وقيل: إنه أسلم بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعام.
وقال أبو نعيم (¬2): أدرك أبو العالية الجاهلية والإِسلام، فهو مخضرم.
وكان إذا دخل على ابن عباس أخذ بيده، وأجلسه معه على سريره، وقريش تحت السرير، فيتغامزون ويقولون: هو مولى، فيقول ابن عباس: إن هذا العلم يزيد الشريف شَرفًا، ويُجلس المماليك على الأَسِرَّة.
وأخرج هذا الأثر أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" عن محمَّد بن الحارث ثم أنشد: [من الطَّويل]
رأيتُ رفيعَ النَّاس مَن كان عالمًا ... وإن لم يكن في قومه بحَسيبِ
إذا حلَّ أرضًا عاش فيها بعلمه ... وما عالمٌ في بلدةٍ بغريب (¬3)
وقال الشعبي: كان أبو العالية عالمًا فاضلًا زاهدًا، يختم القرآن في كل يومين.
وقال: قرأتُ القرآن قبل أن يُقتل عثمان بن عفان بخمس عشرة سنة، وقبل أن يولد الحسن البَصْرِيّ بسنة.
¬__________
(¬1) في "تاريخ دمشق" 6/ 263 (مخطوط): بنت بيضة.
(¬2) في (ص): وقال ابن منده، والمثبت من "تاريخ دمشق".
(¬3) "تاريخ دمشق" 6/ 269 (مخطوط).

الصفحة 440