ولم يكن الناسُ يعجزون عن عبادةٍ إلا تكلَّفها؛ جاء سيلٌ، فكثُر الماء حول البيت، فطاف سِباحةً، وكان يُواصل سبعةَ أيَّام بلياليها، ويأخذ يدَ الشابِّ يكاد يَحْطِمُها (¬1).
وقال [عبد الله بن أحمد بن حنبل (عن أبيه) بإسناده عن] عَمرو بن دينار [قال: ] رأيتُ ابنَ الزُّبير يصلِّي في الحِجْر، فجاء حَجَرٌ قُدَّامَهُ، فَذَهَبَ ببعض ثوبِه، فما انفَتَلَ (¬2).
وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عُودٌ من الخشوع (¬3).
[وفي رواية: كان يسجدُ فتقع العصافير على ظهره، لا تحسبه إلا جِذمَ حائط] (¬4).
وقالت أم عمر بن قيس: دخلتُ على عبد الله بن الزُّبير وهو يصلي، فسقطت حيَّةٌ من السقف على ابنه هاشم، فتطوَّقت على بطنه وهو نائم، فصاح أهلُ البيت: الحيَّة الحيَّة. ولم يزالوا بها حتَّى قتلوها وعبدُ الله بنُ الزُّبير يصلِّي، فما التفت ولا عَجِلَ، ثم فرغ بعدما قُتلت، فقال: ما لَكم؟ فقالت أمُّ هاشم؛ يرحمك الله! أرأيتَ إنْ كنَّا هُنَّا عليك، أيهونُ عليك ابنُك (¬5)؟ ! فقال: ويحك! ما كانت التفاتةٌ لو التفتُّها مبقيةً من صلاتي (¬6)؟ .
وقال محمد بن حميد: كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهرَ أجمع ليلةً قائمًا حتَّى يصبح، [وليلة قاعدًا] وليلة يُحييها راكعًا إلى الصباح، وليلةً يُحييها ساجدًا إلى الصباح (¬7).
¬__________
(¬1) التبيين في أنساب القرشيين ص 257 - 258، وما سلف بين حاصرتين من (م). ولفظه (كانوا) بين قوسين من "التبيين". وينظر "تاريخ دمشق" ص 417.
(¬2) الزهد لأحمد ص 249، وصفة الصفوة 1/ 765. وبنحوه في "تاريخ دمشق" ص 410.
(¬3) حلية الأولياء 1/ 335، و"تاريخ دمشق" ص 408، وصفة الصفوة ص 765 ونسب في (م) لأحمد، ولم أقف عليه عنده.
(¬4) تاريخ دمشق ص 408، وصفة الصفوة 1/ 765، والكلام بين حاصرتين من (م).
(¬5) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): أرأيت أنا كنَّا عليك أيهون على ابنك. وفي (م): أرأيت لو أنَّا تركناها أيهون عليك ابنك. والمثبت من "تاريخ دمشق" ص 413، و"صفة الصفوة" 1/ 766.
(¬6) المصدران السابقان. ونسب الخبر في (م) للزُّبير بن بكَّار.
(¬7) صفة الصفوة 1/ 766، وبنحوه في "تاريخ دمشق" ص 409. ونسب الخبر في (م) لابن أبي الدنيا، وما بين حاصرتين منها.