ابنَ الزُّبير وبني أمية مُحِلِّين، وإني لا أُحِلُّه أبدًا. قال الناس: بايع ابنَ الزُّبير. فقلت: وأين بهذا الأمر عنه؟ أمَّا أبوه فَحَواريُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمَّا جَدُّه فصاحبُ الغار، وأمَّا أمُّه فذاتُ النِّطاقين، وأمَّا خالتُه فأمُّ المؤمنين، وأما جدَّتُه فعمَّةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يريد صفية - رضي الله عنها -. ثم عفيفٌ في الإسلام، قارئٌ للقرآن، إنْ وَصَلُوني وَصَلُوني من قريب، وإن رَبُّوني ربَّني أكْفَاءٌ كرام، فآثرَ التُّوَيْتات والأُسَامَات والحُمَيدات (¬1). إنَّ ابنَ أبي العاص برزَ يمشي القُدَمِيَّة (¬2)، وإنَّه لَوَّى بذَنَبِه. يعني ابنَ الزُّبير (¬3).
ودخل ابنُ الزُّبير على معاوية، فأجلسه معه على سريره، فنظر إليه مروان متعجِّبًا، فأنشد معاوية:
نفسُ عصامٍ سوَّدَتْ عصاما (¬4)
ونازعَ ابنَ الزُّبير مروانُ عند معاوية في شيء، فمال معاويةُ مع مروان، فقال له ابنُ الزُّبير: يا معاوية، إنه لا طاعةَ لك علينا ما لم تُطع الله، فاتَّقِ الله، ولا تُطْرِقْ إطراق الأُفْعُوَان في أصول السَّخْبر (¬5).
وأوصى إلى عبد الله بن الزبير: أبوه الزبير - رضي الله عنه -، وحَكِيمُ بنُ حِزام، وعبدُ الله بنُ عامر بن كَرِيز، والأسودُ بنُ [أبي] البَخْتَرِيّ، وشيبة بنُ عثمان، والأسود بنُ عَوْف، وعبد الله بنُ مسعود، وعائشة - رضي الله عنها - (¬6).
¬__________
(¬1) بعدها في "صحيح" البخاري: يريد أبطنًا من بني أسد؛ بني تويت وبني أسامة وبني أسد .. اهـ. وقوله: رَبُّوني، أي: يتعهَّدُوني ويَلُوني، من: رَبَّ يَرُبُّ.
(¬2) بعدها في "صحيح" البخاري: يعني عبد الملك بن مروان. والقُدَميَّة؛ بضم القاف وفتح الدال، وقد تضمّ أو تسكن، يعني التبختر. قال ابن حجر في "فتح الباري " 8/ 329: هو مَثَل، يريد أنَّه برز يطلب معالي الأمور.
(¬3) أي: لم يتمَّ له ما أراد. وذكر ابن حجر في "فتح الباري" 8/ 329 أن في رواية أبي مخنف: وإن ابن الزبير يمشي القهقرى. قال: وهو المناسب لقوله في عبد الملك: يمشي القُدَميَّة.
(¬4) تاريخ دمشق ص 434 - 435. والرَّجَز في "ديوان" النابغة ص 118، ويُضربُ مثلًا في نباهة الرجل من غير قديم. ينظر "مجمع الأمثال" 2/ 331.
(¬5) تاريخ دمشق ص 441. قوله: الأُفْعُوان، هو ذكر الأفاعي. والسَّخْبر: شجر تألفه الحيَّات فتسكن في أصوله. الواحدة سخبرة، يريد: لا تتغافل عما نحن فيه. قاله ابن الأثير في "النهاية" 2/ 349. وتحرفت لفظة "السخبر" في النسخ (غير م فليس فيها الكلام) إلى: الشجرة.
(¬6) المصدر السابق ص 407.