ذكر وفاته:
[قال المدائني: ] كان قد شرب البناذر (¬1) بطُوس، وقدم البصرة عليلًا، فلما اشتدَّت به العلَّة استدعى بيادوق (¬2) الحكيم، وقال له: اكشف مرضي، فأخذ بيادوق يغمز أعضاءه عضوًا عضوًا، فحبسَ جميعَ بدَنهِ وهو مُلْقًى، ثم أخذَ خيطًا من إبْرَيسَم، وربط فيه قطعةً من لحم، وقال: ابْلَعْها. فبلَعَها، ثم أخذ يغمزُ أطرافَه وجسمَه ساعة، ثم غافلَه وجذَبَها، فطلَعَتْ وعليها دُود، فقال: أيُّها الأمير، اعْهَدْ عهدَك، واكتُبْ وصيَّتَك فقد وقَعَت الأَكَلَةُ في جوفك. فقال بشر: واللهِ لقد كَنَنْتُ (¬3) نفسي من الحَرِّ بالثلوج والبادهنجات (¬4) والأماكن الباردة، وكَنَنْتُها في البرد باللُّبُود والنيران والأماكن الحامية خوفًا من مثل هذا، فقال له بيادوق الحكيم: لا جرم فعلتَ بنفسك هذا، ومنه أُتِيتَ. قال: ولمَ؟ قال: لأنَّ الله أجرى العادةَ أنَّ الأبدانَ لا تقوم إلا بالحَرِّ والبرد، وهذا قانونُ الحكمة الإلهية، فعكَسْتَه أنتَ، فأصابَك هذا (¬5).
[وقال هشام: ] ولما احتُضر [بِشْر] جعل يبكي ويقول: واللهِ وَدِدْتُ أني كنتُ عبدًا حبشيًّا لِأسوأ أهلِ البادية؛ أرعى غنمهم ولا أدخلُ فيما دخلتُ فيه.
وبلغ الحسنَ البصريّ فقال: الحمد لله الذي جعلهم يفرُّون إلينا عند الموت، ولا نفرُّ إليهم، إنهم لَيَروْن فينا غِيَرًا, وإنَّا لَنرى فيهم عِبرًا (¬6).
[وذكر ابن أبي الدنيا أن القائل لهذا الكلام سفيان الثوري] (¬7).
¬__________
(¬1) في "أنساب الأشراف" 5/ 361 و 363: التياذر. وفي (م): كان قد شرب بالكوفة البياذر بطوس. وفي "النجوم الزاهرة" 1/ 192: البلاذر.
(¬2) في (م): بيادوف.
(¬3) انتهى خرم من (ص) عند هذا الموضع.
(¬4) جمع البادهنج. قال الخفاجي في "شفاء الغليل" ص 70 - 71: هو معرّب بادخون، أو بادير، وهو المنفذ الذي يجيء منه الريح. قال: وأجاد يعضهم في تسميته: راووق النسيم.
(¬5) الخبر بنحوه في "المنتظم" 6/ 131.
(¬6) تاريخ دمشق 3/ 357 (مصورة دار البشير) وما سلف بين حاصرتين من (ص).
(¬7) ما بين حاصرتين من (ص). وقد تحرَّف اسم سفيان في المصدر السابق إلى: شقيق.