كتاب اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 9)
أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَروَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ، تُرِيدَ نَفْسَها، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضعِ زَمزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدها هكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائها، وَهْوَ يَفُورُ بَعدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسمَاعِيلَ! لَوْ تَرَكَتْ زَمزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمزَمُ عَيْنًا مَعِينًا"، قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَها، فَقَالَ لَها الْمَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ ها هُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِي هذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيةِ، تأتِيهِ السُّيُولُ فتأْخُذُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِم رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هذَا الطائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءِ، لَعَهْدُناَ بِهذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأرسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرَوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أتأذَنِينَ لَنَا أَنْ ننزِلَ عِنْدَكِ، فَقَالَتْ: نعم، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُم فِي الْمَاءَ، قَالُوا: نعم، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْيَ تُحِبُّ الإنْسَ"، فَنَزَلُوا وَأَرسَلُوا إِلَى أَهْلِيهم، فَنَزَلُوا مَعَهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ بِها أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُم، وَشَبَّ الْغُلاَمُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهم،
الصفحة 453