كتاب اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 9)

ولا أنْ يُبطِل الكَسْب الذي هو السبَب، ومَن فعل واحدًا منهما خرج عن القصْد إلى أحد الطَّرَفين: مذهبِ القدَر أو الجَبْر.
وفي قول آدَم استصغارٌ لعِلْم موسى إذ جعلَك الله بالصفة التي أنت فيها من الاصطِفاء بالرِّسالة والكلام، فكيف يسَعُك أن تَلومني على القدر الذي لا مدفَع له؟، وحقيقته أنه دفَع حُجة موسى التي ألزمَه بهذا اللَّوم، وذلك أنَّ الاعتراض والابتداء بالمسألة كان من موسى، عارضَه آدم بأمر دفْع اللَّوم، فكان هو الغالب.
وقال (ن): معناه إنَّك تعلم أنه مقدَّرٌ، فلا تلُمني، وأيضًا اللَّوم شرعيٌّ لا عقليٌّ، وإذ تاب الله عليه وغفَر له زالَ عنه اللَّوم، وقد علِم ذلك موسى من التَّوراة، فمَن لامَه كان محجوجًا بالشرع، فإن قيل: فالعاصي منَّا لو قال: هذه المعصية كانت بتقدير الله لم تسقُط عنه المَلامة؛ قلنا: هو باقٍ في دار التكليف جارٍ عليه أحكام المكلَّفين، وفي لَومه زجْرٌ له ولغيره عنها، وأما آدم -عليه الصلاة والسلام- فميِّتٌ خارجٌ عن هذه الدار، وعن الحاجة إلى الزَّجْر، فلم يكن في هذا القَول فائدةٌ سوى التَّخجيل ونحوه.
هذا، وقد قال بعضهم: التقتْ أرواحُهما في السَّماء فوقَع الحِجاج بينهما هناك، وقال (ع): ويحتمل أنه على ظاهره، وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، ولا يبعُد أن الله أحياهما كما ثبت في حديث الإسراء أنه - صلى الله عليه وسلم - اجتمَع بالأنبياء في بيت المقدِس، وصلَّى بهم، ويحتمل أنَّ ذلك جرى في حياة موسى - عليه السلام -، سأَل الله أن يُريَه آدم فيُحاجَّه.

الصفحة 516