كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)
3597 - حدثنا أبو داود الحراني، حدثنا عليّ بن المَديني (¬1)، حدثنا سُفيان (¬2)، حدثنا صالح بن كَيْسَان (¬3)، عن أبي محمد (¬4)، عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقَاحَة (¬5) ومنَّا المحرم ومنَّا غير المحرم، فرأيت
-[122]- أصحابي يَتَرَاءون (¬6) شيئًا فنظرتُ فإذا حمار وحشٍ، فركبتُ فرسي وأخذت الرمحَ وأخذتُ السوطَ فسقط منِّي السوطَ، فقلتُ: ناولوني، فقالوا: ليس نُعِينك عليه بشيء، إنا محرمون، (فتناولتُه (¬7)) بشيءٍ فأخذتُه، ثم أتيتُ الحِمَار من وراء أَكَمَة (¬8) فعقرتُه، فأتيت به أصحابي،
-[123]- فقال بعضهم: كلوه، وقال بعضهم: لا تأكلوه، فأتيت النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو أمَامنا فسألتُه فقال: "كُلُوه هو حلالٌ (¬9) " قال سُفيان: فقال لنا عمرو بن دينار: اذهبوا إلى صالح بن كيسان فاسألوه عن هذا الحديثِ وعن غيره، وقَدِم علينا (¬10).
¬_________
(¬1) علي بن عبد الله بن جعفر السَّعدي المديني.
(¬2) هو ابن عيينة، أبو محمد الهلالي، المكّي، وهو موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬3) صالح بن كيسان المدني.
(¬4) موضع الالتقاء مع مسلم في السّند الثاني كما يتبين في التخريج الآتي، ومولى أبي قتادة هو: نافع بن عبّاس، ويقال: ابن عيّاش الأقرع أبو محمد مولى أبي قتادة.
(¬5) القَاحَة: بفتح الحاء المهملة مخففة واد فحل من أودية الحجاز، يقع أوله مما يلي المدينة =
-[122]- = على أربع مراحل، ويسير فيه الطريق مرحلتين، وفيه مدينة السُّقيا -سُقيا مُزينة- ثم يجتمع بوادي الفرع فيسمى الوادي الأبواء، على ست مراحل من المدينة وخمس من مكة.
انظر: المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص 237).
(¬6) يتَراءون: يتفاعلون، من الرؤية، والتَّرائي تفاعل من الرُّؤية، وهي على وجوه، يقال: تراءى القوم: إذا رأى بعضهم بعضًا، وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته، وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم، وهذا المعنى الأخير هو الأنسب بالمقام.
انظر: فتح الباري (4/ 27)، فيض القدير للمناوي (2/ 434).
(¬7) في (م) "فناولتُه"، ولم يظهر لي وجْهُه من النَّاحية اللغوية؛ لأن "ناول" يتعدى إلى مفعولين، ومنه الحديث: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناولَ سلمانَ كذا وكذا"، بينما "تناول" يتعدى إلى مفعول واحد، يقال: ناوَلْت فلانًا شيئًا مُناولةً إِذا عاطَيْته، وتناوَلْت من يده شيئًا إِذا تَعاطيته، وناوَلْته الشيء فتناوله، وتناول الأَمرَ: أَخذه، والأخير هو الصَّحيح والأنسب في لفظ الحديث.
انظر: العين للخليل بن أحمد (2/ 82)، ولسان العرب (14/ 335).
(¬8) أَكَمَة: بفتحات، هي الرَّابية، والجبال الصّغار، والجمع آكام بالمدّ، وبالكسر بلا مدّ.
انظر: فتح الباري (1/ 80)، مشارق الأنوار (1/ 61).
(¬9) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب تحريم الصيد للمحرم (2/ 851، ح 56)، عن قتيبة بن سعيد، وابن أبي عمر، كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن صالح بن كيسان بنحوه، وعن يحيى بن يحيى، وقتيبة، كلاهما عن مالك، عن أبي النضر، عن نافع مولى أبي قتادة بنحوه، وأخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد -باب: لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد- (ص 294)، عن عبد الله بن محمد، وعلي بن عبد الله (فرقهما) عن سفيان، عن صالح بن كيسان بمثله، وفيه قول عمرو بن دينار: "اذهبوا إلى صالح بن كيسان، فسلوه عن هذا وغيره، وقدم علينا هاهنا".
(¬10) العبارة هكذا في (م)، وفيها ركاكة، ولعلّ الأنسب أن يقال: "وكان قدم علينا"، وقد جاء بها ابن حجر هكذا مثل الثانية عند ذكره لطرق أبي عوانة في إتحاف المهرة (4/ 164).
من فوائد الاستخراج: هنالك عدّة فوائد منها:
1 - قوة إسناد المستخرِج، لروايته الحديث من طريق الإمام عليّ بن المديني عن سفيان، بينما رواه مسلم من طريق قتيبة بن مسلم، عن سفيان، وقتيبة وإن كان ثقة، فإنه لا يصل إلى درجة علي بن المديني.
2 - في طريق المستخرج زيادة، وهي قول عمرو بن دينار المتقدم، وهي زيادة مهمة تدل على إمامة صالح بن كيسان، وكونه قدم عليهم، وأن من أدب العلم أن يحيل المحدث طالب العلم على الأعلم منه.