كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

باب ذكر الخبر الدَّالِّ على كراهِية أكلِ لحمِ الصَّيد لمن صِيدَ من أجله، والخبرُ المعارِضُ لَه المبُيحُ للمحرِم أكلَه (¬1)
¬_________
(¬1) لا يظهر من أحاديث الباب ما يدل على الجملة الأولى من ترجمة الباب، ولعلَّ أبا عوانة -رحمه الله- أراد أن يضيف ذلك لاحقًا، ثم لم يفعله لسبب ما، ويطابق الجملةَ الأولى من ترجمة الباب الحديثُ المرويُّ عند مسلمٍ عن الصّعْب بن جَثَّامة اللَّيْثِي رضي الله عنه: "أنَّه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا، وهُو بالأبواء -أو بِوَدّان، فَردّه عَليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فَلَما أن رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما في وجهِي، قال: إنا لم نردَّه عليك، إلا أنا حرُمٌ".
فقد حَمَل بعض العلماء هذا الحديث على من صيد لأجله وهو مُحرم، كما يتناسب مع الجملة الأولى من ترجمة الباب أيضًا ما رواه أبو داود (ص 215، 181) عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صيد البر لكم حلالٌ، ما لم تصيدوه أو يُصدْ لكم"، ولكنّ الحديث ضعيف، وإنما جاء أبو عوانة بالجملة الثانية في ترجمة الباب، وأورد تحته أحاديث أبي قتادة رضي الله عنه، لأن ألفاظها عامَّة، ولم يأت فيها أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- استفسر أبا قتادة، هل صاد من أجله -صلى الله عليه وسلم- أو لا؟، مع الحاجة إلى ذلك الاستفسار إن كان الأكل مكروهًا أو حرامًا.
انظر: صحيح مسلم (2/ 850، ح 50 - 55)، شرح المنهاج للنووي (8/ 344).
3598 - حدثنا عبَّاس الدوري، وأبو داود الحراني، قالا: حدثنا هَارون بن إسماعيل الخَزَّاز (¬1)، حدثنا عليُّ بن المبارك (¬2)، عن يحيى بن أبي
-[125]- كثير (¬3)، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، خرجْنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحُدَيْبِيَّة فأَحْرم أصحابي ولمْ أُحرِمْ، فبَصُرَ أصحابي بحمار وحْشٍ فجعل يضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت فرأيته فحملتُ عليه الفرسَ فطعنْته فأثْبتُّه (¬4)، فاستعنْتُهم فأبوا أن يُعينوني، فأكلنا منه، فلحقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخشينا أن يقْطعَنا العدو، فلقيت رجلًا من بني غِفَار في جَوفِ اللَّيلِ، فقُلتُ: أينَ تركتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: بتَعْهِن (¬5) وهو قَائلٌ (¬6)
-[126]- السُّقيَا (¬7)، فلحقتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: يا رسول الله، إنَّ أصحابك أرسلوني يقرؤُونَ عليك السلام ورحمة الله، وإنهم قد خشوا أن يقْطَعَهم العدوُّ دونَك فانتظرْهم ففعلَ، قال أبو قتادة: فقلت: يا رسول الله، إنَّا اصطَدْنا حمارَ وحشٍ وعندنا منْه، فقال: "كُلوه وهُم مُحرِمُون (¬8) ".
واللَّفظُ لأبِي داود.
¬_________
(¬1) الخزّاز -بفتح الخاء، وتشديد الزاي الأولى نسبة إلى بيع الخز- أبو الحسن البصري.
ت / 206 هـ، الأنساب (2/ 356)، المغني في الضبط (ص 90).
(¬2) هو: "الهُنائي" -بضم الهاء، وتخفيف النون-.
(¬3) موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬4) أثبتُّه: أي أثبتُّ الطعنة فيه فأصبت مقتله. انظر: فتح الباري (1/ 94).
(¬5) تَعْهِن: بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون، وضبط على غير ذلك أيضًا، وهو ماء على ثلاثة أميال من السُّقيا (أم البرك اليوم) بين مكَّة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب.
قال صاحب المعالم الجُغرافية: "وادٍ من كبار روافد القاحة، يأتيها من الشرق من جبال قَدَس فيدفع أسفل من السُّقيا على مرأى منها، ونواشِغُه -مجاريه- بين وادي الفرع والقَاحة".
انظر: مشارق الأنوار (1/ 126)، معجم البلدان (2/ 35) معجم ما استعجم (1/ 315)، عُمدة القاري (10/ 168)، الدِّيباج على مسلم (3/ 288)، معجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي (ص 63، 201).
(¬6) قائلٌ: أي أنه يكون بالسُّقْيا وقتَ القائِلة، أو هو من القول: أي يذْكرُ أنه يكونُ بالسُّقْيا.
انظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 226).
(¬7) السُّقْيا: هي سقيا مزينة، قرية جامعة من أعمال فرع، بينها وبين الفرع مما يلي الجحفة سبعة عشر ميلًا، وقعت فيه القائلة، وتسمى أمّ البَرْك اليَوْم.
انظر: مشارق الأنوار (2/ 233)، معجم البلدان (3/ 228)، فتح الباري (1/ 133)، (4/ 25)، الديباج على مسلم (3/ 228)، المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص 201، 237).
(¬8) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (ص 706، ح 4149)، عن سعيد بن الرَّبيع، عن علي بن المبارك به مختصرًا، وقد تقدم برقم: 3588، 3589، فارجع إليه.
من فوائد الاستخراج: تعيين من له اللفظ من الرواة.

الصفحة 124