كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

روى إبراهيم بن سَعْد، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: "أهْلَلْتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حَجَّة الوداع بعمرةٍ" كنْتُ مِمَّن تَمَتَّع ولم يُهْد الهَدْيَ (¬1).
¬_________
(¬1) وصله البخاري في صحيحه في كتاب الطهارة -باب امتشاط المرأة عند غُسْلِهَا مِنَ المَحِيْضِ (ص 55، ح 316) عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سَعْد، عن ابن شهاب به.
3719 - حدَّثنا أبو داود الحراني، ومحمَّد بن عبد الوهَّاب (¬1)، قالا: حدَّثنا جعفر بن عون، حدَّثنا هِشام بن عروة (¬2)، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجنا مُوَافِين لهِلال ذي الحِجَّة (¬3) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أحبَّ منْكُم أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، ومن أحبَّ أن يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فلْيُهِلَّ، فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمرةٍ" فكان منهم من أهلَّ بعُمرةٍ، ومنهم من أهلَّ بحجَّةٍ، وكنتُ أنَا ممن أهلَّ بعمرةٍ فقَدِمتُ مكَّة وأنا حائِضٌ،
-[284]- فأدركنِي يومُ عَرَفَةَ، فذكرتُ ذلِك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دعِي عُمرتِك (¬4)، وانْقُضِي رأسَكِ (¬5)، وامْتَشِطِي وأهِلِّي بِحَجٍّ" فَفَعَلَتْ (¬6) حتَّى
-[285]- إذا صَدَرَتْ (¬7) وقضَى الله حَجَّها أرسلَ معها عبد الرحمن بن أبي بَكْرٍ ليلةَ الحَصْبَة (¬8) فأردَفَها وأهلَّتْ من التَّنْعِيم (¬9) بِعمرَةٍ، فقضى الله حجَّها
-[286]- *ولم يكنْ فِيْ ذَلِكَ هَدْيٌ ولا صِيامٌ ولا صدقةٌ* (¬10) (¬11).
¬_________
(¬1) ابن حبيب بن مهران العَبْدِي، أبو أحمد الفرَّاء النَّيسابوري.
(¬2) موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬3) مُوافِينَ لهلال ذي الحجة: أي قُرب طُلوعه مقارنين لاستهلاله، وقد كان خروجهم قبله لخمسٍ بقينَ من ذي القعدة.
انظر: فتح الباري (3/ 713)، شرح النووي على مسلم (ج 8/ 381).
(¬4) معنى "دعي عمرتك": قال النووي: "ليس معناه إبطالها بالكلية والخروج منها، فإن العمرة والحج لا يصِحُّ الخروج منهما بعد الإحرام بنية الخروج، وإنما يخرج منها بالتحلُّلِ بعد فراغها، بل معناه: ارفُضِي العمل فيها، وإتمام أفعالها التي هي الطَّواف والسَّعي وتقصير شَعْر الرأس، فأمرها -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عن أفعال العمرة، وأن تحرم بالجج، فتصير قارنة وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها، إلا الطَّواف فتؤخِّرَه حتى تَطْهُرَ، وكذلك فعلتْ.
قال العلماء: "ومما يؤيد هذا التأويل قوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية عبد بن حميد: "وأمسكي عن العمرة"، ومما يصرح بهذا التأويل رواية مسلم بعد هذا في آخر روايات عائشة عن محمد بن حاتم، عن بهز، عن وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أهلَّت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالجج، فقال لها النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم النفر: "يسعك طوافك لحجك ولعمرتك، فأبت فبعث بها. . فاعتمرت بعد الحج" هذا لفظه، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك" تصريح بأن عمرتها باقية صحيحة مجزلة، وأنَّها لم تُلْغِها وتخرجْ منها فيتعين تأويل "ارفضي عمرتك" و "دعي عمرتك" على ما ذكرناه من رفض العمل فيها وإتمام أفعالها" ا. هـ كلام النووي.
شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 377)، وانظر التمهيد (2/ 815)، فتح الباري (3/ 496).
(¬5) انقُضي: -بالقاف وبالمعجمة- أَيْ حُلِّي ضَفَائِرَه. هدي السَّاري (ص 209).
(¬6) فيه التفات، لأن السِّياق يقتضي أن تقُول: ففعلتُ، فأردفني. فتح الباري (3/ 713).
(¬7) صَدَرَت: رَجَعَت.
تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 343)، فتح الباري (3/ 693).
(¬8) الحَصْبَة: -بالمهملتين وموحَّدة على وزن الضَّرْبَة- والمراد بها ليلة النَّفْرِ الأخير لأنَّها آخر أيام الرَّمي، وهي الليلة التي بعد أيام التشريق، والحَصْبُ مشتقٌّ من الحَصْبَاءِ وهي الحجارة، والمُحَصَّبُ والتَّحْصِيْب كلُّه من الحَصْبَاءِ والمُراد: هُوَ الأَبْطَح، وهو خَيْفُ بَنِي كِنَانَة ظاهر مكَّة، والتَّحْصِيْب هو النُّزول بذلك المكان.
قال عاتِق البلادي: "المحصَّب ما بين منى إلى المنحنى، والمُنْحَنِي: حدُّ المحصَّب من الأبْطح، فمنذ أن تخرجَ من منَى فأنتَ في المُحصَّب حتى يضيق الوادي بين العيرتين فذاك المنحنى".
انظر: هدي السَّاري (ص 111)، شرح النووي على مسلم (8/ 380)، فتح الباري (3/ 689، 708)، المعالم الجغرافية (ص 283).
(¬9) التَّنْعِيم: -بالفتح ثم السكون، وكسر العين المهملة، وياء ساكنة، وميم- موضع معروف بمكَّة في الحلِّ بين مكَّة وسَرِف.
قال عاتق البلادي: "التَّنعيم: هو الوادي الذي يأخذ من الثَّنية البيضاء -وتسمَّى العمرة، أو عمرة التنعيم اليوم- إلى الشِّمال فيصُبُّ في وادي يأْجَج، ويأجج يصُبُّ في مرِّ الطهْران".
قلتُ: والمسجد الذي يعتمر منه الناس اليوم، هو مسجد عائشة -رضي الله عنها- الواقع في التنعيم، ويبعُد عن المسجد الحرام ستة كيلومترات تقريبًا.
انظر: معجم البلدان (2/ 58)، معجم ما استعجم (1/ 321)، المعالم الجغرافية (ص 55).
(¬10) الكلام بين النَّجمين مدرج من كلام هشام بن عروة، كما في طريق أبي أُسامة عن هشام بن عروة عند البخاري في الصحيح -كتاب الطهارة- باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض (ص 55)، وظاهره أن ذلك من قول عائشة -رضي الله عنها- وكذا أخرجه مسلم وابن ماجه من رواية عبدة بن سليمان، ومسلم من طريق ابن نمير، والإسماعيلي من طريق علي بن مسهر، وبينه مسلم عن أبي كريب عن وكيع بيانا شافيًا، فإنه أخرجه عقب رواية عبدة عن هشام، وقال فيه: "فساق الحديث بنحوه"، وقال في آخره: "قال عروة: فقضى الله حجها وعمرتها، قال هشام: ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة".
انظر: فتح الباري (3/ 714).
(¬11) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب بيان وجوه الإحرام. . . (2/ 873، ح 115، 116)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبدة بن سليمان، وعن أبي كريب، عن ابن نُمير، وأخرجه البخاري في كتاب العمرة -باب عمرة الاعتمار بعد الحج بغير هدي (ص 287) عن محمد بن المثنى، عن يحيى، ثلاثتهم عن هشام بن عروة به.
من فوائد الاستخراج: العلو النسبي: المساواة بين المصنف ومسلم في عدد رجال إسناديهما.

الصفحة 283