كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

باب ذكر الخبر المبيِّن أنَّ فَسْخَ الحَجِّ بِعُمْرَةٍ لمنْ لا يكونُ معه هدْيٌ على الإِبَاحَة لاَ عَلَى الحَتْمِ، وَأنَّ المُهِلَّ بِالحجِّ إذا قدِم مكَّة ولمْ يَكنْ معه هديٌ إن أحبَّ أقام على إحرامه إلى انقْضَاء نُسُكِه، وإن أحبَّ جعلها عمرةً، وحَظْرِ فَسْخِ الحجِّ لمنْ مَعَهُ هَدْيٌ، والدَّلِيل على أنَّ فسْخَ الحجِّ لا يكونُ إلَّا بالطَّواف، وعلى أنَّ السُّنَّة في الخُروج من الحَرَم لمن يُريد أنَّ يعتمرَ فيُهِلَّ من الحِلِّ بعمرةٍ، وعلى أنَّ الطَّائف بالبيت طوافَ الوَدَاع (يجعلهُ) (¬1) آخرَ عملِه إذا ارتحَلَ، وأنَّ عائشة -رضي الله عنها- أهلَّت بالحج، وأقامتْ على إِحْرَامِها لم يَفْسُخْ حجُّها (¬2) حتَّى فرغتْ منْه ثُمَّ اعتمرتْ
¬_________
(¬1) في نسخة (م) "يجعلها"، وهذا لا يصِحُّ من الناحية اللُّغوية، لأن الضمير إمَّا أن يرجِع على: الطواف، أو الوداع، أو البيت، وتلك الأسماء كلُّها مذكَّرة.
(¬2) فسخُ الحج: هو أن يكون قد نوى الحج أولا ثم ينقضه ويبطله ويجعله عمرة ويحل ثم يعود ويحرم بحجة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 445).
3737 - حدثنا محمد بن إبراهيم الطَّرْسُوسِي، حدثنا أبو نُعيم (¬1)، حدثنا أفْلَحُ (¬2)، عن القاسِم بن محمد، عن عائشة قالت: خرَجْنا مع
-[311]- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحجّ في أَشْهُر الحجِّ (¬3) وحُرُم (¬4) الحج، حتَّى نزلنا بِسَرِفَ قالت: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه فقال: "من لمْ يَكُن مِنْكُم معه هدْيٌ فأَحَبَّ أنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، ومَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلاَ" وكان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هَدْيٌ ومَعَ رِجَالٍ من أصحابه ذوِيْ قُوَّةٍ كانَ مَعَهُم الهدْي، قَالت: فالآخِذ بِالأَوْلَى من لم يكن معه الهَدْيُ، والتَّاركُ لها، قالت: فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنَا أبْكي (*فقال: "ما يبكيك؟ "*) (¬5) قالت: سمعتُ قولَكَ لأصحابِك فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ، قال: "وما شأنُكِ؟ " قلتُ: لا أصلِّي، قال: "لا يَضُرُّكِ إنَّما أنتِ من بناتِ آدمَ كتب الله عليكِ مَا كتَبَ عَلَيْهِنَّ، فكُوني في حجِّكِ فعَسَى الله أَنْ يَرْزُقَكِهَا" قالتْ: فَكُنْتُ في حَجَّتِي حتَّى نَفَرْنا من مِنىً، فَنَزَلْنَا المُحَصَّب فَدَعَا عبد الرحمن بن أبي بَكْرٍ فَقَال: "اخرُجْ بِأختِكَ
-[312]- من الحرَمَ فَلْتُهِلَّ بعمرة، ثُمَّ افْرُغا من طوافِكما فإنِّي أنتظرُكما ها هُنا حتَّى تأْتِيا" قال: فجئْنَاه في جوفِ اللَّيل، قال: "قد فرغْتُما" قلتُ: نعم، (فنادَى (¬6)) بالرَّحِيل في أصحابه، فارتَحَل النَّاسُ ومرَّ بالبيتِ فطافَ قبْلَ صلاَةِ الصُّبْحِ، ثمَّ خرَجَ مُتَوَجِّهًا إلى المدينة (¬7).
¬_________
(¬1) هو: الفضل بن دُكين.
(¬2) ابن حميد بن نافع الأنصاري المدني، وهو موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬3) أشهر الحج هي: عند الجماهير شوال، ذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة تمتد إلى الفجر ليلة النَّحر.
انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 385).
(¬4) حُرُم الحجّ: ضبطه الجمهور بضمِّ الحاء والرَّاء على إرادة الأوقات والمواضِع والأشياء والحالات، وضبطَه الأصيلي بفتح الرَّاء، فيكونُ جمعَ حرمة، أي ممنوعات الشرع ومحرَّماته.
انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 384)، الدِّيباج على مسلم (3/ 306).
(¬5) ما بين القوسين استدركه الناسخ في الهامش الأيمن.
(¬6) في نسخة (م) "فادي"، ولعلَّها تصحيفُ "فَآذن"، ففي لفظ مسلم (2/ 870) "فآذن بالرحيل"، أي أَعْلَمَ بالرَّحيل، كما يحتمل أن تكون تصحيفَ "فنادى" لفظِ الحديثِ في صحيح البخاري (ص 288، ح 1788).
(¬7) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب بيان وجوه الإحرام. . . (2/ 875، ح 123) عن محمد بن نمير، عن إسحاق بن سليمان، وأخرجه البخاري في كتاب الحج -باب قول الله تعالى: "الحج أشهر معلومات". . . (ص 253، ح 1560) عن محمد ابن بشَّار، عن أبي بكر الحنفي، وفي كتاب العُمرة -باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع؟ (ص 288، ح 1788) عن أبي نُعيم الفضيل ابن دكين، ثلاثتهم عن أفلح بن حميد به.
من فوائد الاستخراج: قولُه في حديث المصنِّف: "فمنعتُ العمرة"، روى جمهورُ رواةِ مسلم مكانه: "فسَمِعتُ بالعُمرة"، وهذا اللفظ يُشْكِل توجيهه، أما لفظ المستخرِج فواضح المعنى، مناسبٌ للمُقام، يؤيِّد لفظَ بعضِ رواة مسلم الذين رَوَوْه بلفظ: "فمُنِعْتُ العُمرة"، ولذا قال النووي: "كذا هو في النسخ: "فسمعت بالعمرة"، قال القاضي: كذا رواه جمهور رواة مسلم ورواه بعضهم: "فمنعت العمرة"، وهو الصواب".
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 385).

الصفحة 310