كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3760 - حدثنا يوسف، وأبو حميد، قالا: حدَّثنا حجَّاج، عن ابن جُريج قال: أخبرني جَعْفَر بن محمد (¬1)، عن أبيه (¬2)، عن عليِّ بن الحُسين (¬3)، عن ابن عبَّاس (¬4)، عن مُعاوية، أنَّه لمَّا حجَّ فطافَ بين الصَّفا والمَرْوَة، قَالَ: آيْه يَا ابْنَ عبَّاسٍ! ما تقولُ في التَّمتُّع بالعمرة إلى الحجِّ؟ فقال:
-[344]- أقول ما قال الله وعَمِلَ بِهِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَقُرَيْشٌ عنده، قال معاوية: أما إنِّي معه وقَصَّرْتُ عنده بِمِشْقَصِ (¬5) أَعْرَابِيٍّ، فقال ابن عبَّاس: يا أمير المؤمنين فلا شهيدٌ أقربَ منْكَ ولا أعْدَلَ، فقال معاويةُ: إنَّه لو عاد عُدْنا، فقال ابن عبَّاس: يا أمير المؤمنين! فالأولى من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضَلاَلَةٌ؟ قال معاويةُ: أعوذ بالله، فقال ابن عبَّاس: فكيْف؟ (¬6).
¬_________
(¬1) ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المعروف بـ "الصَّادق".
(¬2) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويُعْرف بـ "الباقِر".
(¬3) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو الحسين أبو محمد المدني، يعرف بـ "زين العابدين"، ت / 92 هـ، وقيل بعد ذلك، (ع).
قال ابن سعد: "وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورِعا"، وقال الزهري: "ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحدا كان أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث".
قال الحافظ ابن حجر: "ثقةٌ ثبتٌ عابدٌ فقيهٌ فاضلٌ مشهورٌ".
أنظر ترجمته في: الطَّبقات لابن سعد (5/ 211 - 222)، تاريخ الدوري، (2/ 416)، التاريخ الصغير للبخاري (1/ 150)، الثقات للعجلي (ص 39)، الكُنى للدُّولابي (1/ 251)، الجرح والتعديل (6 / ت 977)، الثِّقات لابن حِبَّان (5/ 159)، تهذيب الكمال (20/ 382 - 403)، سير أعلام النبلاء (4/ 386 - 401)، تذكرة الحُفَّاظ (1/ 74)، الكاشِف (2 / ت 3955)، تَذْهِيْب التَّهذِيب (3/ 57)، تهذيب التهذيب (7/ 304 - 307)، التقريب (ت 5295).
(¬4) موضع الالتقاء مع مسلم، انظر تخريج ح / 3763.
(¬5) مِشْقَص: -بكسر الميم، وفتح القاف على وزن مِفْعَل-: هو سَهمٌ فيه نَصْلُ عَرِيض.
انظر: شرح النَّووي على مسلم (2/ 312).
(¬6) هذا الحديث يرويه ابن جُريج على وجهين:
الوجه الأول: يرويه عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحُسين عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- به كما عند المصنِّف في هذا الحديث، وهذا الوجه لم يخرجْه مسلمٌ في صحيحه.
الوجه الثاني: يرويه ابن جُريجٍ عن الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه-، وهذا الوجه أخرجه الشَّيخان في صحيحيهما، وسيأتي برقم 3764 عند المصنِّف، وأكثر الرُّواةِ يروُون هذا الوجه عن ابن جرُيجٍ.
أمَّا الوجه الأول فرواه حجَّاج بن محمد عن ابن جُريجٍ به، كما عند المصنِّف، ولم يتفرَّد به، بل تابعه عُثمان بن الهيثم، وعبد الرزَّاق بن همام عند الطَّبراني في المعجم الكبير (99/ 301) وعبد الوهاب بن عطاء عند المصنِّف (ح / 3761) ثلاثتهم عن ابن جُريجٍ، على أن الأربعة (عثمان بن الهيثم، وعبد الرزَّاق، وحجَّاج بن محمد، وعبد الوهاب) رووا عن ابن جريجٍ الوجهَ الثاني أيضًا، أخرجه الطبراني في المرجع نفسه بإسناده إلى عُثمان بن الهَيثم، وعبد الرزَّاق، كلاهما عن ابن جُريجٍ، عن الحسن ابن مُسلم به، أمَّا روايةُ عبد الوهاب، وحجَّاجٍ الوجهَ الثاني فستأتي عند المصنِّف برقم: =
-[345]- = 3761، 3763.
لكنَّ قوله في هذا الحديث عند أبي عوانة: "يا أمير المؤمنين فلا شهيدٌ أقرب" إلى آخره، لم أقفْ عليه إلا في طريق حجَّاج دون غيرها، وسائِرُ الرُّواة عن ابن جُريجٍ بما فيهم رواة الوجه الثاني عنه؛ لا يذكرون ما ذكره حجَّاج بن محمد، كما لم أقف عليه في غير مستخرج أبي عوانة ولا من طُرقٍ أخرى، ويمكنُ أن يكون عبد الوهاب بن عطاء الخَفَّاف متابعا لحجاج في هذا الجزء من الحديث أيضًا، لأنَّ الحافظ أبا عوانة ساق إسناد حديث عبد الوهاب، وأحال متنه على حديث حجَّاج وقال: بمثله (انظر ح /3761)، ولكن عبد الوهاب الخفَّاف مُدلِّس، ولم أقفْ على تصريحه بالتحديث عن ابن جُريج.
كما أنَّ في لفظ أبي عوانة أمْرانِ آخران:
هما: زيادة ومخالفةٌ لِمَا رواه الشَّيْخان:
1 - أما الزِّيادة، فهي ذكرُه قِصَّة حجِّ ابن عبَّاس ومعاوية -رضي الله عنهما-، وسؤال معاوية -رضي الله عنه-، ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عن التمتُّع، وأنَّ ابن عباس قال بمشروعية التمتع، وأنَّه من فعل النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، بينما رأى معاوية -رضي الله عنه- خصوصِيَّة التمتُّع، وهذه زيادةٌ صحيحة.
2 - أما المخالفة فهي أنَّ في لفظ المصنِّف: "وقَصَّرْتُ عندَه بِمشْقَصِ أعرابيٍّ" والذي يظهر في -والله أعلم- حصولُ خطأٍ من الناسِخِ، وأنَّ الصَّحيح: "وقصِّرْتُ عنه بِمِشْقَصِ أَعْرَابِيٍّ"، وذلِكَ لما يَلِي:
أوَّلًا: الرُّواة الآخرون عن ابنِ جُريْجٍ رَوَوْا الحديث بلفظ: "قَصَّرتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ."، وهم: عبد الرزاق بن همَّام (الطَّبراني في الكبير 19/ 309)، وعُثمان بن الهيَثَم (الطبراني في الكبير أيضًا 19/ 309)، وكذا سائر من روى عن ابن جُريجٍ عن الحسَن بن مسلم عن طاوس به. =
-[346]- = ثانيًا: متابعةُ سفيانَ الثوري في روايته لابن جريج عن جعفر بن محمد، فروى الحديثَ بلفظ: "قصَّرت عن رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند المروة"، أخرج حديثه الإمام أحمد في المسند (4/ 97)، عن عمرو بن محمد النَّاقِد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأخرجه ابن أبي عاصم (1/ 383) عن أبي بكر بن أبي شيبه وحدَه، كلاهُما عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان الثوري به، إلا أنَّ لفظَ أبي بكر بن أبي شيبة: "رأيتُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَصَّر بِمِشْقَصٍ"، وكِلا اللَّفظين يدلَّان على تقصير النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- شعرَه بمشقصٍ.
ثالثًا: اختيار البُخاري ومسلم -رحمهما الله- للرِّواية التي تدلُّ على أنّ معاوية -رضي الله عنه- قَصَّر عن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِشْقَصٍ.
رابعًا: يَصْعُبُ أنْ يُقَالَ بِخَطَأِ حجَّاج عن ابن جريج، فإنَّ حجَّاجًا وُصِف بِأنَّه من أَثْبَتِ النَّاس في ابن جريج.
خامسا: بعد البحث والتَّنقيب، لم أقِفْ على رواية تقول: "قصَّرْتُ عنْدَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِشْقَصٍ".
سادسا: يمكن أن يُقال: إنَّ هذا لا يعتبرُ مخالَفة، فيصْلُح أن يكون قصَّر شعره بمشْقَصٍ أيضًا، فذكر حجَّاج ذلك، ولم يذكر تقصيرَه -رضي الله عنه- لشَعْرِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، كما يحتملُ -وهو احتمال ضعيف- أن ما رواه حجاجٌ حديث مستقل، تفرَّد به عن ابن جريج، فروى تقصيرَ معاويةَ شعرَه عند النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- في حجَّة الوداع، وأما تقصيرُه شَعرَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين، فيكون في غيرِ حجَّة الوداع، وعلى هذا يصحُّ ما اعترض به ابن عبَّاس على مُعَاوِية -رضي الله عنهما-، وحجَّاج بن محمد المِصِّيصِي ممَّن يُحتملُ تفرُّده عن ابن جريج، لأنَّه أثبتُ النَّاس فيه، وربَّما لأجل هذا جاء المصنِّف بهذه الرِّواية وقدَّمها على غيرها. =
-[347]- = وإنَّما أُفَصِّلُ في الكلام على الحديثِ لدخوله تحت باب مختلف الحديث من أبواب علوم الحديث، كما أنَّ بعضَ أهْلِ العِلْمِ استدلَّ بالحديثِ على أنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- كان مُتَمَتِّعا، وأنَّ مُعاوية -رضي الله عنه- قصَّر عن شَعْرِه، وأنَّ ابن عبَّاسٍ أَنْكر عليه نهيه عن المُتْعة، لأنَّ فِعْله -تقصيره عن شعره -صلى الله عليه وسلم- حُجةٌ عليه.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث: "وهذا يدُلُّ على أن ابن عبَّاسٍ حمل على ذلك على وقوعه في حجَّة الوداع، لقوله لمعاوية: "إن هذه حُجَّةٌ عليك" إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حُجَّة".
قلتُ: وإذا أُخذ الحديث على ظاهره، وكما استدلَّ به ابنُ عبَّاس فإنه يخالفُ الأحاديثَ المُسْتَفِيْضَة الصَّحيحة الثَّابتة الكثيرة، والتي تدلُّ على أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- كان قارنًا، وأنَّه لم يَحْلِل إلَّا يومَ النَّحر، ولهذا جَمَعَ الأَئِمَّةُ بين هَذَا الحديث والأحاديثِ الصَّحيحة الأخرى الدالَّة على القِرَان، سالِكين في الجَمْعِ مسالكَ مختلفة:
قال الإمام النَّووي: "وهذا الحديث محمول على أنَّه قَصَّر عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في عُمرة الجِعِرَّانة لأنَّ النَبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- في حجَّة الوداع كان قارنًا كما سبق إيضاحُه، وثبت أنَّه -صلى الله عليه وسلم- حلق بمنى، وفرَّق أبو طلحة -رضي الله عنه- شعره بين الناس، فلا يجوز حَمْل تقصير مُعاوية على حجَّة الوداع، ولا يصِحُّ حمله أيضًا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأنَّ معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنَّما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصِحُّ قول من حمله على حجَّة الوداع وزعم أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان مُتَمَتِّعًا، لأنَّ هذا غلطٌ فاحشٌ، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السَّابقة في مسلم وغيره: "أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: ما شأنُ الناس حَلُّوا ولم تَحِلَّ أَنْتَ؟ فقال: "إنِّي لبَّدْتُّ رأسِي وقلَّدْتُّ هديِي فلا أحِلُّ حتَّى أنحرَ الهديَ"، وفي رواية: "حتَّى أُحِلَّ من الحَجِّ" والله أعلم". =
-[348]- = قال الحافظ ابن حجر معَقِّبًا على النَّووي، وجامعًا لأقوال أهل العلم في حديث ابن عبَّاس عن معاوية -رضي الله عنهما-: "قُلْتُ: ولم يذكر الشَّيخُ هُنا ما مرَّ في عمرة القَضِيَّة، والذىِ رجَّحه من كون مُعَاوية إِنَّما أَسلم يوم الفتح صحيحٌ من حيثُ السَّند، لكن يمكنُ الجمعُ بأنَّه كان أسلم خُفْيَةً وكان يكتُم إسلامَه، ولم يتمكَّن من إظهاره إلَّا يوم الفَتْح، وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية "تصريحَ معاويةَ بأنَّه أسْلَم بيْن الحُدَيْبِيَّة والقَضِيَّةِ وأنَّه كان يُخْفي إسلامَه خَوْفًا من أبويه"، وكانَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا دخلَ في عمرة القَضِيَّةِ مكَّة خرج أكثرُ أهلِها عَنْهَا حتَّى لا ينظُرونه وأصحابُه يطُوفُون بالبَيْتِ، فلعلَّ معاويةَ كان ممن تخلَّف بِمكة لسببٍ اقتضاه ولا يُعارِضُه أيضًا قولُ سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره: "فعلناها يعني العمرة في أشهر الحج وهذا يومئذ كافر بالعُرُش" بِضمَّتين يعني: بيوتَ مكَّة يشيرُ إلَى مُعاويةَ لأنَّه يُحْمَلُ على أنه أخْبَرَ بما استَصْحَبَه من حَالِه ولم يطَّلِعْ على إسلامه لكونه كان يُخفيه، ويُعكِّر على ما جوَّزُوه أن تقصيره كان في عمرة الجِعِرَّانَة أنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- رَكِبَ من الجِعِرَّانَة بعد أن أحرم بعمرةٍ ولم يَسْتَصْحِبْ أحدًا معه إلَّا بعضَ أصحابِه المُهاجرين فقدِم مكة فطافَ وسعى وحَلَقَ ورجع إلى الجِعِرَّانَة فأصبح بها كبائت، فَخَفِيَتْ عمرتُه على كثيرٍ من النَّاس، كذا أخرجه الترمذي وغيره ولم يَعُدْ معاويةُ فيمنْ صحبَه حينئذٍ ولا كانَ مُعَاوية فيمن تخلَّف عنه بمكة في غزوَة حُنَين حتَّى يُقال: لعلَّه وجَده بمكَّة، بل كانَ مع القوم وأعطاه مِثْلَ ما أعطى أبَاهُ من الغَنِيمة مع جُمْلَة المؤلَّفَة، وأخرجَ الحَاكِم في الإكليل في آخر قصة غزوة حُنَين: "أن الذي حلق رأسه -صلى الله عليه وسلم- في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة" فإن ثبت هذا وثبت أنَّ معاويةَ كان حينئذٍ معه أو كان بمكَّة فقصَّر عنه بالمَرْوة أمكن الجمعُ بأن يَّكون معاويةُ قصرَ عنه أوَّلًا، وكان الحلَّاقُ غائبًا في بعض حاجتِه، ثُمَّ حضر فأمره أن يُكمِل =
-[349]- = إزالة الشَّعر بالحَلْقِ لأنَّه أفضل ففعل، وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القَضِيَّة وثبت أنَّه -صلى الله عليه وسلم- حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه، وحصل التَّوفيق بين الأخبار كلِّها، وهذا مما فتح الله على به في هذا الفتح ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا.
قال صاحبُ الهدي: "الأحاديثُ الصَّحيحة المستفيضة تدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحِلَّ من إحرامه إلى يوم النَّحر كما أخبر عن نفسه بقوله: "فلا أحِلُّ حتَى أنحرَ" وهو خبر لا يدخله الوهم، بخلاف خبر غيره، ثم قال: ولعل معاويةَ قصَّر عنه في عُمرة الجِعِرَّانة فَنَسِي بعد ذلك وظنَّ أنَّه كان في حجَّته، انتهى.
ولا يعكِّر على هذا إلا روايةُ قيس بن سعد المتقدمة، لتصريحه فيها بكون ذلك في أيَّام العَشْر إلَّا أنَّها شَاذَّة، وقد قال قيس بن سعد عقبها: والنَّاس ينكرون ذلك، انتهى.
وأظن قيسًا رواها بالمعنى ثم حدَّث بها فوقع له ذلك، وقال بعضهم: "يحتمل أن يكون في قول معاوية: "قصَّرتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمشقصٍ" حذفٌ تقديرُه: قصَّرتُ أنا شعري عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، انتهى.
ويُعَكِّرُ عليه قولُه في رواية أحمد: "قصَّرتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند المروة"، أخرجه من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عباس.
وقال ابن حزم: "يحتملُ أن يكون معاويةُ قصَّر عن رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيَّة شعر لم يكن الحلَّاق استوفاه يوم النَّحر" وتعقَّبه صاحب الهدي بأنَّ الحَالِقَ لا يُبْقِي شعرًا يُقَصَّرُ منه، ولا سِيَّما وقد قسم -صلى الله عليه وسلم- شعرَه بين الصحابة الشَّعرةَ والشَّعرتين، وأيضا فهو -صلى الله عليه وسلم- لم يسعَ بين الصَّفا والمروة إلَّا سعيًا واحدًا في أوَّل ما قَدِم، فماذا يصنعُ عند المَرْوَة في العَشْر.
قلتُ -كلام الحافظ مستمرّ-: وفي روايةِ العَشْرِ نظرٌ كما تقدَّم وقد أشار =
-[350]- = النَّووي إِلَى ترجيح كونه في الجِعِرَّانَة وصوَّبه المُحِبُّ الطَّبَري وابن القيم وفيه نظرٌ، لأنَّه جاء أنَّه حَلَقَ في الجِعِرَّانَة، واستبعادُ بعضِهم أنَّ معاوية قَصَّر عنه في عُمرة الحُدَيْبِيَّة لكونِه لم يكنْ أسلَم ليس بِبَعِيْد". انتهى كلام ابن حجر -رحمه الله-.
انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 455 - 456)، فتح الباري لابن حجر (3/ 660 - 662)، تاريخ دمشق لابن عساكر (59/ 67).
من فوائد الاستخراج:
• رواية المصنِّف الحديثَ من طريق ابن جريج عن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين، وراويه عن ابن جريج هو حجَّاج بن محمد، وقد وصف بأنَّه من أثبت الناس عنه.
• الزيادة في اللَّفظ: المُحَاوَرَةُ التي دَارَتْ بين ابن عبَّاس ومعاوية -رضي الله عنهما-.

الصفحة 343