كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3768 - حدثنا الصغاني، حدَّثنا روح بن عبادة، حدَّثنا شُعْبَة (¬1)، عنْ قَتَادَة، عن أبي حسان الأعرج، أن رجلًا مِنْ بَلْهُجَيْم (¬2) أَتَى ابنَ عَبَّاسٍ
-[363]- فقال: يا ابْنَ عبَّاسٍ، ما هذه الفُتْيَا الَّتِي قدْ (تَشَغَّبَتْ) (¬3) بِالنَّاسِ "من طَافَ بالبيتِ قدْ (حلَّ) (¬4) " فقال: سُنَّة نَبِيّكُم -صلى الله عليه وسلم- (¬5) وَإنْ رَغِمْتُم. (¬6)
¬_________
(¬1) موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬2) هكذا في نسخة (م)، وفي لفظ مسلم (2/ 912): "بني الهُجَيم"، وكلاهما ثابت وصحيح.
(¬3) في نسخة (م) "شيعت"، ويظْهرُ لي -والله أعلم- عدمُ صحتها هنا في تركيب الجملة، ولم أقف عليها عند غير أبي عوانة، ولعلَّها تصحيفٌ من "تشَغَّبَتْ" كما عند مسلم (2/ 912)، أو من "تَشَغَبَتْ" كما عند أحمد في المسند (1/ 342)، ومعنى المعجمة: خَلَطتْ عليهم أمرهم، ومعنى المهملة: أنها فرقت مذاهب الناس وأوْقَعَتِ الخِلاَفَ بينهم.
انظر: مشارق الأنوار (2/ 315)، شرح النووي على مسلم (8/ 454).
(¬4) ما بين القوسين تصحَّف في نسخة (م) إلى "قدحًا"، والتَّصويب من دلالة السِّياق وصحيح مسلم (2/ 912).
(¬5) يريد ابن عباس من قوله هذا أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك، لا أنه فعل ذلك، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان قارنا.
انظر: فتح الباري (3/ 559).
(¬6) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام (2/ 912، ح 206) عن محمد بن المثنى، وابن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة به.
قال الإمام النووي (8/ 454): "هذا الذي ذكره ابن عباس هو مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور من السَّلف والخلف، فإن الذي عليه العلماء كافَّة سِوى ابن عباس أن الحاجَّ لا يتحلل بمجرد طَواف القدوم، بل لا يتحلل حتَّى يقف بعرفات ويرمي ويحلق ويطوف طواف الزيارة، فحينئذ يحصل التحللان، ويحصل الأوَّل باثنين من هذه الثلاثة التي هي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف، وأما احتجاجُ ابن عباس بالآية فلا دلالة له فيها، لأن قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} معناه: =
-[364]- = لا تنحر إلا في الحرم، وليس فيه تعرض للتحلل من الإحرام، لأنه لو كان المراد به التحلل من الإحرام لكان ينبغي أن يتحلَّل بمجرد وصول الهدي إلى الحرم قبل أن يطوف، وأما احتجاجه بأن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أمرهم في حجة الوداع بأن يحلوا فلا دلالة فيه، لأنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة في تلك السنة فلا يكون دليلا في تحلل من هو ملتبس بإحرام الحج، والله أعلم.
وعقدَ البُخاريُّ في صحيحه (ص 261): "باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته، ثم صلى ركعتين قبل أن يخرج إلى الصفا"، ثم أورد حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف بالبيت حين قدم ثُمَّ لم تكن عمرة، ثم ذكرت أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما فعلا مثل فعله -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكرت المهاجرين والأنصار، وفيه: "وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلمَّا مسحُوا الرُّكن حلُّوا".
قال ابن بطَّال في شرحه على البخاري (4/ 297) في شرحه قوله: "فلمَّا مسحوا الركن حلَّوا: "يريدُ بعد أن سعوا بين الصَّفا والمروة، لأنَّ العمرة إنما هي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، ولا يحِلُّ من قدم مكَّة بأقلَّ من هذا، فخشي البخاري أن يتوهم متوهِّمٌ أن قوله: "فلما مسحوا الركن حلُّوا" أنَّ العمرة إنما هي الطواف بالبيت، ولا يحتاج إلى سعي بين الصفا والمروة، وهو مذهب ابن عبَّاس، وروي عنه أنه قال: إن العمرة الطواف، وقال به إسحاق بن راهويه. . . فأراد البخاريُّ بيان فساد هذا التأويل بما أردف في آخر البخاري من حديث ابن عُمر: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قدم مكة للحج أو العمرة طاف بالبيت، ثم سعى بين الصفا والمروة، وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 708): "وهو -أي الحديث- ظاهرٌ في أن المراد بذلك من اعتمر مطلقا سواء كان قارنا أو متمتعا، وهو مذهبٌ مشهورٌ لابن =
-[365]- = عباس"، وانظر الفتح (3/ 558).
قلتُ: وقد تصرَّف الحافظ أبو عوانة -رحمه الله- في هذا الباب تصرُّفَ الإمام البخاريُّ -رحمه الله- في صحيحه، بأن جاء بالأحاديث التي يستدلَّ بها ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- لمذهبه، ثم أردفها بأحاديث عبد الله بن عُمر -رضي الله عنهما- الرادّة على فهم ابن عباس -رضي الله عنهما-.
من فوائد الاستخراج:
• تساوي عدد رجال الإسنادين، وهذا "مساواة".
• إيراد الحديث في غير الباب الذي أورده فيه صاحب الأصل، مما فيه تعيين مناسبة أخرى للحديث غير التي عند صاحب الأصل.

الصفحة 362