كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3782 - حدثنا العبَّاس (التَّرْقُفِي) (¬1)، حدثنا عثمان بن سعيد يعني
-[382]- ابن كثير بن دينار الحِمْصِيّ، حدَّثنا شُعَيْبٌ (¬2)، عن الزُّهري (¬3)، قال: قال عروة: سألتُ عائشة -رضي الله عنها-، قلتُ لَها: أرأيتِ قولَ الله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} إلى آخِر الآية، فقلتُ لعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: مَا علَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أن لا يَطَّوَّف بالصَّفا والمروة؛ قالتْ عَائِشَة: بِئْسَ ما قلتَ يا ابن أُخْتِي، إنَّ هذه الآية لو كانتْ على ما أوَّلْتَها عليه [لكانتْ] (¬4): فلا جناحَ عليه أن لَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، ولكنَّها إنَّما أُنزلتْ في الأنصار قبل أنْ يُسْلِمُوا، كانوا يُهِلُّون لِلْمنَاةِ الطَّاغية الَّتي كانوا يعبدونَ عند المُشَلَّل، وكان من أهَلَّ لها يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطَّوَّف بالصَّفا والمَرْوَة، فأنزل الله القُرآن: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ
-[383]- يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، قالتْ عائشة: "قد سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطَّواف بهما فليسَ لأحدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بِهِمَا" (¬5).
رواه سُفْيان، عن الزُّهري، بِطُولِه وفيه: قالتْ عائشة: "طافَ
-[384]- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمُسْلِمُونَ وكانتْ سُنَّةً" (¬6)
رواه حَرْمَلَةُ، [عن ابن وهب] (¬7)، عن يُونس، عن الزُّهْرِي، بِطُوله وقال: إِنَّ الأَنْصَارَ كانُوا قَبْلَ أن يُسْلِمُوا هُمْ وغَسَّان (¬8) يُهِلُّونَ لِمَنَاة، فَتَحَرَّجُوا أنْ يَطَّوَّفُوا بين الصَّفا والمروة وكانَ ذلكَ سُنَّةً في آبَائِهِمْ (¬9).
¬_________
(¬1) هو: العبَّاس بن عبد الله بن أبي عيسى الواسطي، أبو محمد التَّرْقُفِي ت / 267 هـ.
والتَرْقُفي -بفتح التاء، وسكون الرَّاء، وضَمِّ القَاف، آخرها الفاء- قال السَّمعاني: "هذه النِّسبة إلى تَرْقُف، وظنِّي أنَّها من أعمال واسِط والله أعلم"، وقال الحَمَوي: "وأظنُّه من نَوَاحي البند نيجين من بلاد العراق"، وقد تصحَّف "الترقفي" في نسخة (م) إلى "البرقعي"، والتصويب من إتحاف المهرة لابن حجر (17/ 249)، وكتُب الأَنْسَاب.
الأنساب للسَّمعاني (3/ 41)، معجم البلدان (2/ 23).
وثَّقه الدارقطني، وذكره ابن حبّان في الثقات.
قال فيه الخطيب: "كان ثقة دينًا صالحًا عابدًا"، وقال السَّمعاني: "كان ثقة، صدوقًا، مأمونًا، حافظًا، عارفًا بالحديث".
وكذا وثَّقه الذَّهبي، والحافظ ابن حجر.
انظر: الثِّقات لابن حبّان (8/ 513)، تاريخ بغداد (12/ 143)، الأنساب للسمعاني (3/ 41)، الكاشف (1/ 535)، تهذيب التهذيب (5/ 120)، تقريب التهذيب (ت 3515).
(¬2) هو: شُعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم، واسم أبيه: دينار، أبو بشر الحمصي.
وثقه ابن معين، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، والنسائي.
انظر: تاريخ الدارمي (ص 42)، معرفة الثقات (ح 732)، الجرح (4/ 344)، تهذيب الكمال (12/ 516).
(¬3) موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬4) ما بين المعقوفين سقط من نسخة (م)، واستدركتُه من دلالة السِّياق، فإنَّ "لَوْ" هنا شرطية امتناعية، ولا بُدَّ لها من جُملتين بعدها، أولاهما: الشَّرْطِيَّة، تليها الجوابية والجزائية، والأغلب أن تكون الجملتان فعليتين، ماضويتين، لفظًا ومعنا، والجملة الجوابية الجزائية هنا هي التي بين المعقوفين وما يتعلق بها.
انظر: النحو الوافي (4/ 491، 494).
(¬5) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن. . . (2/ 930، ح 263) عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس به، وزاد يونس: "وكان ذلك سُنَّةً في آبائهم"، وأخرجه البخاري في كتاب الحج -باب وجوب الصفا والمروة. . . (ص 266، ح 1643) عن أبي اليمان، وأخرجه النسائي في السنن الصغرى (ص 458، ح 2968) عن عمرو بن عثمان، عن أبيه عثمان ابن سعيد، كلاهما عن شعيب به.
من فوائد الاستخراج:
• راوي الحديث عن الزُّهري شعيبُ بن أبي حمزة، الذي قال فيه ابن معين: "هو من أثبت الناس في الزهري"، وقال الجوزجاني: "والزبيدي وشعيب لزماه طويلا، إذ كانا معه في الشام في قديم الدهر"، بينما رواه مسلم من طريق يونس عن الزهري، وهو متكلَّم في حديثه عنه، وكان الإمام أحمد سيئَ الرأي فيه جِدًّا، وقدم عليه معمرا، وعقيلا، وشعيب بن أبي حمزة.
انظر: شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 674)، تقريب التهذيب (ت 3095).
• فيه زيادتان صحيحتان: أولاهما: وهي الحوار الذي دار بين عائشة -رضي الله عنها- وبين عروة بن الزبير، قبل أن تبدأ لها بقِصَّة ما كان عليه الأنصار قبل إسلامهم.
وثانيتهما: "قد سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطواف بهما فليس لأحد أن يترك الطَّواف بهما".
(¬6) وصله الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الحج -باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن، لا يصح الحج إلا به (2/ 929، ح 261) عن عمرو الناقد، وابن أبي عمر، جميعا عن ابن عيينة به.
(¬7) ما بين المعقوفين سقط من نسخة (م)، واستدركتُه من صحيح مسلم (2/ 930)، وذلك أنَّ المصنِّف يعلِّق روايات مسلم في الغالب، ويشِيرُ إليها، ورواية حرملة أخرجها مسلم بالإسناد المذكور كما تقدَّم.
(¬8) غَسَّان: -بفتح الغين المعجمة، وتشديد السين المهملة، وفي آخرها النون-: وهي قبيلة نزلتْ الشَّام، وإنما سُمِّيتْ غَسَّان بماءٍ نَزَلُوها. الأنساب للسمعاني (9/ 148).
(¬9) قُلْتُ: لعلَّ المصنِّف يريدُ من ذكره بعضَ لفظِ يونس، وابن عيينة، عن الزُّهري، ليُشِير إلى توافق لفظَيْ شُعيب، وابن عيينة، عن الزهري، وإلى زيادة يونس في حَديثه حيث قال: "وكان ذلك سنَّةً في آبائِهم"، وروايةُ شُعيب، وابن عيينة أصَحُّ، ووافقهما عُقيل عليها (ح / 3781)، وأمَّا يُونس فَمُتَكلَّمٌ في حديثه عن الزُّهري، وكان الإمام أحمد سيِّئَ الرأي فيه جِدًّا، وقدَّم عليه معمرا وعُقيلا وشُعيب بن أبي حمزة، ولكنْ تابعه معمرٌ عن الزُّهري على المعنى (ح / 3780).
وقدْ تقدَّم أن حديثَ هِشَام بن عُروة عن أبيه يخالف حديثَ الزُّهري عنه، فإنَّ حديث هِشَامٍ يَنُصُّ على: أن تحرُّجهم عن السَّعي بين الصَّفا والمروة في الإسلام، لأجلِ أنهم كانوا يطَّوَّفون بِهِمَا في الجَاهِليَّة. انظر: (ح / 3765، 3766)، شرح علل =
-[385]- = الترمذي (2/ 674).
قال الحافظ ابن حجر: "ولولا الزِّيادة الَّتي في طريق يُونس حيث قال: "وكانتْ سُنَّةً في آبائِهم الخ، لكان الجمعُ بين الرِّوايتين ممكنًا بأن نقول: وقع في رواية الزهري حذف تقديره: أنَّهم كانُوا يُهِلُّون في الجاهِلِيَّة لمناة، ثُمَّ يَطُوفُونَ بين الصَّفا والمروة، فكان من أهلَّ أيْ: بَعْدَ ذلِكَ في الإسلام، يتحرَّجُ أن يَطَّوَّف بين الصَّفَا والمروة، لِئَلَّا يُضَاهِيْ فِعْلَ الجَاهِلِيَّة".
انظر: فتح الباري (3/ 584).

الصفحة 381