كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3797 - حدثنا يوسف بن مُسَلَّم، وأبو حميد قالا: حدَّثنا حجَّاج، (عن) (¬1) (ابن) جريج (¬2)، ح.
وحدثنا الصغاني، حدثنا روحٌ (¬3)، حدثا ابن جُريج، قال: أخبرني منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صَفِيَّة، عن أسماء بنتِ أبي بكر قالت: قدِمنا مُحْرِمين فقال النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من كان معه هديٌ فلْيُقِمْ على إحرامِه،
-[398]- ومن لَمْ يكنُ معه هديٌ [فَلْيَحْلِلْ] (¬4) " قالتْ: فلمْ يكنُ معي هديٌ فَحَلَلْتُ، وكان مع الزُّبير هديٌ فلم يَحْلِلْ، قالتْ: فلبِسْتُ ثيَابِي، ثُمَّ جئْتُ فجلستُ إلى الزُّبَيْر فقال: قُومِي عَنِّي، فقلتُ: أَتَخْشَى أنْ أَثِبَ عَلَيْكَ (¬5).
وأمَّا أصحابُنا فقالُوا: ذكرَ ابن الزُّبير على المنبرِ فقال: إنَّ رجالًا أعمى الله أبصَارهم، يريدُ ابنَ عبَّاس، يقولون: فذكروا نحوًا مما يذكرون في حَجَّة نبيِّ الله -صلى الله عليه وسلم- من فسخِهم الحجَّ عمرةً فجَثَا ابن عبَّاسٍ على ركبتَيه ثم قال: إِنَّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ ولكنْ تعمَى القلوبُ الَّتِي في
-[399]- الصُّدور، سَلْ أُمَّك: هلْ حَلَّ إِليها أبوك؟ فسألَها فقالتْ: نعم (¬6).
¬_________
(¬1) ما بين القوسين تصحف في نسخة (م) إلى "ابن"، والتصويب من الإتحاف (16/ 2/ 839).
(¬2) موضع الالتقاء مع مسلم في الإسناد الأوَّل، وقد تصحَّف ما بين القوسين في نسخة (م) إلى "أبي"، والتصويب من الإتحاف (16/ 2/ 839).
(¬3) ابن عُبادة، وهو موضع الالتقاء مع مسلم في الإسناد الثاني.
(¬4) ما بين المعقوفين سقط من نسخة (م)، واستدركته من لفظ حديث مسلم (2/ 907).
(¬5) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى. . . (2/ 907، ح 191) عن إسحاق بن إبراهيم، عن محمد بكر، وعن زُهير بن حرب، عن روح ابن عبادة، كلاهما عن ابن جريج به، وليسَ في لفظه كلام ابن جُريج هذا.
من فوائد الاستخراج:
• تساوي إسناديْ المستخرِج مع إسناد مسلم، وهذا "مساواة".
• التقاء المستخرِج مع مسلم في شيخ شيخه، وهذا "بدل".
• روايته للحديث من طريق حجَّاج الأعور عن ابن جريج، وهذا علو معنوي، لأن حجَّاجًا وصف بكونه أثبتَ الناس في ابن جريج. تهذيب الكمال (5/ 455).
• زيادةُ القِصَّة التي وقعتْ بين ابن عبَّاس وابن الزبير، وهي قصة صحيحة مرويَّة في جزء ابن جُريج بهذا الإسناد.
(¬6) قوله: "وأما أصحابُنَا. . ."، هو من كلام ابن جُريج، كما نُصَّ على ذلك في جُزء ابن جريج (حديث رقم: 73)، ولم أقِفْ على تعيينِ المقصُودِ من أصحابِه، كما لم يأتِ هذا الكلامُ في متن حديثِ مسلم ولا غيره من المصنِّفين الذين أخرجُوا الحديثَ في كُتبهم، ولكنَّ إسنادَ الكلام المذكور صحيحٌ، رجاله كلُّهم ثقات، فأرى -والله أعلم- أنَّه حصل اختصارٌ أو تخليطٌ في متنِ حديث ابن جُريجٍ هذا، وإنا لنَربأُ بالصحابي الجليل أمير المؤمنين عبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنه- أن يطعنَ طعنةً كهذه في ترجمان القرآن وفقيهِ الصحابة عبد الله بن عبَّاس -رضي الله عنهما- بفعلٍ أمرَ به النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وفعلَه صحابته -رضي الله عنهم- في حياته -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته، ألا وهو مُتعة الحجِّ، والذي يظهرُ أن عبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنهما- نقم على ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قولَه بجواز نكاح المُتعة، وكانَ ابن الزُّبير -رضي الله عنهما- يرى حرمتَها ويجعلها بمثابة الزِّنا، والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم صحيحه -كتاب النكاح -باب نكاح المتعة، وبيان أنّه أبيح ثم نسخ. . . (2/ 1026، ح 27) عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير، أنَّ عبد الله بن الزُّبير قام بمكة، فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم، يُفتونَ بالمُتعة، يُعَرّضُ برجُلٍ، فناداه فقال: إنَّك لجَلْفٌ جَافٍ؛ فلعمري لقد كانت المتعةُ تفعل على عهد إمام المتقين (يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، فقال له ابن الزبير: فجَرِّبْ بنفسِك فوالله لئنْ فعلتَها لأرجمَنَّك بأحجارِك".
كما أخرج أبو عوانة هذا الحديث في مستخرجه في كتاب النكاح -باب بيان إبطال نكاح المتعة. . . (المطبوع 3/ 22، ح 4055) بنحو لفظ مُسلم المذكور، وأخرجه غيرهُما أيضًا، وسيأتي عند المصنف أيضًا (برقم 3812) من حديث أبي نضرة عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- أيضًا، وذكره الحافظ ابن حجر في الوُقُوف على ما في صحيح =
-[400]- = مسلم من الموقُوف ولم يتكلَّم عليه (ص 76)، ولم أقف على مصدرٍ صُرِّح فيه في هذا الحديث باسم الرَّجُل الذي عرَّض به عبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنهما- غيرَ مستخرج أبي عوانة في حديث الباب أعلاه، ولكنَّ جمعًا من العلماء منهم الإمام النَّووي، وابن القيِّم، والآلوسِي، والملَّا علي القاري وغيرهم؛ نصُّوا على أن المراد منه عبد الله ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، ولم أقفْ على من طعنَ في صحَّةِ نسبةِ قول ابن الزُّبيرِ -رضي الله عنهما- إليه، وعلى هذا فإن غضب عبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنهما- من ابن عبّاسٍ كان بسبَبِ قوله بجواز نكاح المُتعة، وأمَّا متعةُ الحجِّ فلعلَّها جاءت تبعًا في كلامه، ولم يقلْ بسببِها ابن الزُّبير -رضي الله عنهما- ما قال، فجاء رواة حديث الباب فذكروا متعة الحج دون متعة النِّكاح، والله أعلم.
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/ 205)، التمهيد لابن عبد البر (10/ 117)، شرح النووي على مسلم (9/ 190)، إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 277)، نصب الراية للزَّيلعي (3/ 180)، روح المعاني للآلوسي الحنَفي (5/ 6) مرقاة المفاتيح للمُلَّا على القاري (6/ 290).

الصفحة 397