كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3799 - حدثنا عبَّاس بن محمد (¬1)، حدثنا شبابة (¬2)، حدثنا شُعْبَة (¬3)، عن مُسلم (القُرِّي) (¬4) قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: "أهلَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بالعُمرةِ فأهلَّ وأهلَّ أصحابُه بالحجِّ، وكان من لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ مَعَه حَلَّ" (¬5).
¬_________
(¬1) الدّوري.
(¬2) ابن سَوَّار.
(¬3) موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬4) هو: مُسْلِم بن مِخْرَاق البصري، القُّرِّي -بضمِّ القَاف وتشديد الرَّاء المُهملة، بعدها ياء النِّسبة-، تصحَّف نسبته في نسخة (م) إلى "الفرا"، والتَّصويب من الإتحاف (8/ 66)، وصحيح مسلم (2/ 909)، ولم أقف على كلمة "الفرا" في الكتب التي ترجمتْ له.
انظر: الإكمال لابن ماكولا (7/ 112).
(¬5) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب في متعة الحج (2/ 909، ح 196، 197) عن =
-[402]- = عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، وعن محمد بن بشار، عن غندر، كلاهما (فرَّقهما) عن شعبة به، إلَّا أنَّ في حديثِ مسلمٍ ذِكرٌ لحَجَّة طلحة بن عبيد الله، فقال عنها معاذ: "فكان طلحة بن عبيد الله فيمن ساق الهدي فلم يَحِلَّ"، وقال محمد بن جعفر عن حجَّته: "وكان مِمَّن لم يكن معه الهديُ طلحةُ بن عبيد الله ورجلٌ آخر؛ فأحلَّا".
قلت: اختُلف على شُعبة في متن الحديث في موضعين:
الموضع الأول: اختلافُ الرواة عليه في طلحةَ بن عبيد الله، هل كان معه هديٌ أو لا؟ فروى روح بن عُبادة (كما عند المصنف في ح / 3800، وعند أحمد في المسند 1/ 240) ومحمَّد بن بشار، ومحمد بن جعفر غُندر (كما عند مسلم 2/ 909 عن كليهما، وأحمد في المسند 1/ 240 عن غندر وحده) عن شعبة بهذا الإسناد، أن طلحة ورجلًا آخر لم يكُن معهما الهديُ فحلَّا.
وخالفهم معاذ بن معاذ العَنْبري (كما عند مسلم 2/ 909) وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي (كما عند المصنِّف ح / 3801، وشرح معاني الآثار 2/ 141) فرَوَيا عن شعبة بهذا الإسناد أن طلحة بن عبيد الله كان فيمن ساق الهدي فلم يحِلَّ.
ولعلَّ الأصحَّ رواية من روى أنَّ طلحةَ بن عبيد الله كان مِمَّن ساق الهدي، وذلك لما يلي:
أوَّلًا: موافقتِه لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أخرجه البُخاري في صحيحه (ص 287) وصرَّح فيه جابر بأنَّ طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهما- كان معه الهديُ.
ثانيا: موافقته لحديث عائشة -رضي الله عنها- عند مسلم (2/ 874) أنَّ الهدي كان "مع النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة. . ."، وطلحة بن عبيد الله من أيسر =
-[403]- = ذوي اليسارة.
ثالثًا: صنِيعُ الإمام مسلم يوحي بذلك، حيث ذكر متن رواية معاذ العنبري كاملا وقدَّمها على رواية غندر في الباب، ولم يذكرُ حديثَ غُندر بل اكتفى بذكر مخالفته لمعاذ العنبري، وأحال باقي حديثه على حديث معاذ قبله.
رابعًا: قال الإمام ابن حزم في حجة الوداع (265): "عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، قد أثبت الهديَ وبندار عن غندر نفاه، والمثبت أولى من النافي، وكلاهما في شعبة ثقة، ومعاذ أحفظُ من غندر وأجل؛ لأنَّ الثقات ذكروا معاذ بن معاذ العنبري في الطبقة الثانية من أصحاب شعبة مع خالد بن الحارث؛ وذكروا محمد بن جعفر في الطبقة الرابعة من أصحاب شعبة".
ثم ذكر ابن حزم مرجحات أخرى كحديث جابر، وحديث عائشة، ثم قال: "فصح بلا شك أن طلحة كان ساق الهدي، وأن الشك والله أعلم هو من قبل بندار، أو من غندر لا يتجاوزهما".
الموضع الثاني: اختلافُ الرواة عليه في إهلاَلِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فروى عنه شبابة بن سوَّار (كما عند المصنف في ح / 3799)، ومعاذ العنبري، ومحمد بن جعفر غُنْدر، ومحمَّد بشَّار (كما عند الإمام مسلم 2/ 909) "أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بعُمْرةٍ، وأهلَّ أصحابه بالحجِّ".
ورواه عن شُعبةَ رَوح بن عبادة، وأبو داود الطَّيالسي، واختُلِف عليهما، فرواه أبو أمية، عن روح (كما عند المصنِّف في ح / 3800) ورواه يونس بن حبيب (كما عند المصنف في ح / 3801)، وأبو بكرة (كما في شرح معاني الآثار 2/ 141) كلاهما عن أبي داود الطيالسي، كلاهما عن شُعبة بهذا الإسناد، فوافَقَا الأَرْبَعةَ =
-[404]- = المَذْكُورين: أنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بعمرة، وأهلَّ أصحابه بالحجِّ.
وخَالَف أبا أمية في روايته عن روحٍ: محمدُ بن إسماعيل الصائِغ، وأحمد ابن عبيد الله النَّرسي (كما عند البيهقي في السُّنن الكبرى 5/ 187 من طريقين صحيحين مختلفين عنهما) فرويا عن روح بهذا الإسناد بلفظ: "أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه بالحجِّ".
ورواية أبي داود الطَّيالسي فرواها البيهقيُّ أيضا عن أبي بكر بن فورك، عن عبد الله بن جعفر، عن شيخِ أبي عوانة: يونس بن حبيب، عن الطَّيَالِسي بالإسناد المذكور، ولكن بلفظ: "أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحجِّ فمن كانَ من أصحابِه لم يكن معه هديٌ حلَّ"، فخالف لفظَ أبي عوانة عن يونس.
وقد رجعْتُ إلى طبعتيْ مسند الطيالسي (طبعة بتحقيق محمد بن عبد المحسن التركي، وطبعة دار المعرفة ببيروت) فوجدتُّ من الحديث مماثلًا لما رواه البيهقي عن يونس، علمًا أنَّ الحديث في كلتا الطبعتين من طريق يُونس بن حبيب (شيخِ أبي عوانة في الحديث / 291)، عن أبي داود الطيالسي.
قال البيهقي في السُّنن الكبرى بعد سرده طريق روحٍ، والطيالسي (5/ 18): "وقول من قال إنه أهلَّ بالحجِّ لعلَّه أشبه لموافقته رواية أبي العالية البراء، وأبي حسَّان الأعرج، عن ابن عباس في إهلال النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بالحج والله أعلم".

الصفحة 401