كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3828 - حدَّثنا أبو داود الحراني، حدَّثنا أبو عاصم (¬1)، عن سُفْيَان (¬2)، عن سُلَيْمَان التَّيمي (¬3) قال: أخبرِني غُنَيْمُ بن قَيْسٍ قال: كُنْتُ إلى جنْبِ سعدٍ (¬4)، ومُعاويةُ يَخْطُبُ، فقالَ سَعدٌ: "تَمَتَّعْتُ مَعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومُعاويةُ يومئِذٍ كافِرٌ بِالعُرُش (¬5)، قال أبو داود: العُرُش موضعٌ،
-[436]- حدَّثنا عليُّ بن عبد العزيز قال: قال أبو عُبَيْدٍ (¬6): "والعُرُشُ بُيوتُ مَكَّة، كانَ بِهَا يَوْمئِذٍ كَافِرٌ" (¬7) (¬8).
¬_________
(¬1) هو: الضحَّاك بن مَخْلَد الشَّيْبَانِي، النَّبِيْل.
(¬2) الثوري، وهو موضِعُ الالتقاء مع مسلم.
(¬3) ابن بلال التَّيمي، مولاهم، أبو محمد وأبو أيوب المدني.
(¬4) هو: سعدُ بن أبي وقَّاص مالِك بن أَهْيَب القُرشي، أحد العَشَرة المبَشَّرَة.
(¬5) قولُه: "وهو كافر بِالعُرُش" فُسِّر بمعنيين:
الأولى: ما قاله المازِرِي في شرحه على مسلم: "أيْ وهو مُقِيمٌ بِعرُشِ مكَّة، أي بيوتها، المعنى أنِّي سبقتُه إلى الإسلام، قال أبو العبَّاس: ويُقال: اكتفر الرجلُ، إذا لزِم الكُفور، وهي القُرى. . .".
المعنى الثاني: ما قاله القاضي عياض في شرحه على مسلم: "الأولى أن يُحمَلَ الكُفْرُ هاهنا على المعروف، وأنَّ المراد بالمتعة المذكورة الاعتمار في أشهر الحج، والإشارة بذلك إلى عمرة القضاء لأنها كانت في ذي القعدة، وقد قيل: إن في هذا الوقت كان إسلام معاوية، والأظهر أنَّه من مسلَمة الفتح. . .".
قالَ ابن حجر في إسلام معاوية: "كانَ أسلم خُفْيَةً وكان يكتُم إسلامَه، ولم يتمكَّن من إظهاره إلَّا يوم الفَتْح، وقد أخرج ابن عسكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية "تصريحَ معاويةَ بأنَّه أسْلَم بيْن الحُدَيْبِيَّة والقَضِيَّةِ وأنَّه كان يُخْفي إسلامَه خَوْفًا =
-[436]- = من أبَوَيْه "، وكانَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا دخلَ في عمرة القَّضِيَّةِ مكَّة خرج أكثرُ أهلِها عَنْهَا حتَّى لا ينظُرونه وأصحابُه يطُوفُون بالبَيْتِ، فلعلَّ معاويةَ كان ممن تخلَّف بِمكة لسببٍ اقتضاه ولا يُعارِضُه أيضًا قولُ سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره: "فعلناها -يعني العمرة في أشْهُرِ الحج- وهذا يومئذ كافر بالعُرُش" بِضمَّتين يعني: بيوتَ مكَّة يشيرُ إلَى مُعاويةَ لأنَّه يُحْمَلُ على أنَّه أخْبَرَ بما استَصْحَبَه من حَالِه ولم يطَّلِعْ على إسلامه لكونه كان يُخفيه".
انظر: أخبار مكة للفاكهي (3/ 233)، المُعْلِم للمَازِرِي (2/ 87 - 88)، إكمال المُعْلِم (4/ 299)، فتح الباري (2/ 661).
(¬6) القاسِم بن سلَّام -بالتَّشديد- البغدادي، الإمام المَشْهُور، صاحبُ غريبِ الحديث.
(¬7) انظر: غريب الحديث لأبي عُبَيْد القاسم بن سلَّام (4/ 21)، وأرى أنَّه من تفسير سليمان التَّيمي راوي الحديث، ونقله عنه أبو عبيد، لما روى الفاكهي في أخبار مكة (3/ 233) عن ابن أبي عمر، عن مروان بن معاوية، عن سُليمان التَّيمي عن غُنيم بن قيس به. . الحديث، وفي آخره: قال سُليمان: العرش بيوت مكة.
(¬8) أخرجَه مُسْلِمٌ في كتاب الحج -باب جَوَاز التَّمَتُّع (2/ 898، ح 164) عن عمرو النَّاقد، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سُفيان الثوري به، مُحِيلًا متْنَ حديِثه على حديثِ مَروان بن مُعاوية، ويحيى بن سَعِيد، كلاهُما (فرَّقهما) عن سُليمانَ التَّيمي بِه، قبلَه، وقالَ عَقِبَ الحديث: "وفي حديثِ سُفيان: المُتعة في الحجِّ".
قُلْتُ: يُشْكِلُ في لفظِ سُفيانَ الثوري ذكرُ المُتعة في الحجِّ، فإنَّ مُعاوِية لم يتخَلَّف عن حجَّة الوَدَاع، وشُرَّاح الحديثِ ذكروا أن المُراد بالمُتعَةِ المذكورة الاعتمار =
-[437]- = في أشْهُرِ الحجِّ كما تقدَّم آنفًا.
قال القاضي عِيَاض في إكمال المعلِم (4/ 299): "والأظهر أنَّه من مسلَمةِ الفتح، وأما غير هذه من عُمرة الجِعِرَّانة وإن كانتْ أيضًا في ذي القعدة، فمعاويةُ قد كان أسلمَ ولم يكن مُقيما بمكة، وكان في عسكر النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى هوازن في جملة أهل مكة، وكذلك في حجَّة الوداع لم يكن معاوية ممن تخلَّف عن الحجِّ مع النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا تخلَّف عنه غيره، إلَّا أن يكون أراد فسخ الحج في العمرة التي صنعها من قدِم مع النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فمُعاويةُ أيضًا لا يثبت أنه كان مقيما بمكَّة حينئذ، كيف وقد استَكْتَبَهُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وكان معه بالمدينة. . .".
والحديثُ مدارُه على سُليمان بن بِلال التَّيمِي، وقد رواه عنه -فيما وقفتُ عليه- ستةٌ من الرواة: مروان بن معاوية ويحيى ابن سعيد وشُعبة بن الحجَّاج (كما في ح /3829) وسُفيان الثوري (كما عند مسلم 2/ 898، وعند المصنِّف من طريق الأخيرين ح / 3828، 3829)، ويوسُف بن يعقوب السَّدوسي (كما في مسند سعد بن أبي وقَّاص ص 204)، وعبد الله بن المبارك (كما في شرح معاني الآثار 2/ 141)، ولم يقُلْ أحدٌ منهم "متعةَ الحجِّ" إلا سُفيان الثوري من طريق أبي أحمد الزُّبيري عنه عند مُسلم، وعبد الله بن المبارك عند الطَّحَاوِي من طريق فَهْدِ بن سليمان، عن محمد بن سعيد عنه بِلفظ: "سألت سعدَ بن مالك عن مُتعة الحجِّ؟ فقال: فعلناها وهو يومئذ مشركٌ بِالعُرُشِ، يعنى معاويةَ، يعني عُروش بيوت مكَّة"، وإسنادُ الطَّحاوي ظاهره الصِّحَّة.
وعلى هذا فالأقربُ أن تُحملَ المتعةُ في الحجِّ في روايتيْ أبي أحمد الزُّبيري عن الثوري، وروايةِ ابن المبارك كلاهما عن سليمانَ التيمي، على الاعتمار في أشهر الحجِّ، وإلَّا فروايةُ الأكثرِين أرجح من روايتْي سُفيان وابن المبارك، خاصَّة إنَّ أبا أحمد الزبيري =
-[438]- = تُكُلِّم في حديثه عن سفيان الثوري، ونصَّ الحافظ على أنه يخطئ في حديثه عن الثوري (تقدَّم في ح / 3762) وخالفه من هو أقوى منه، وهو أبو عاصم الضحاك ابن مخلد النبيل، فلمْ يذكُر المتعة في الحجِّ (كما عند المصنِّف)، ولعلَّ ذكرَ الإمام مسلم مخالفةَ حديث سُفيان، وتأخيره له عن حديث مروان بن معاوية، ويحيى ابن سعيد تعليلٌ منه لذِكرِ المُتعة في الحجِّ، والله أعلم.
من فوائد الاستخراج:
• فيه بيان للمتن المحال به عند مسلم.
• خُلُوُّ لفظ المصنِّف من مخالفة الأكثرين.
• شرح غريب الحديث.
• تساوي الإسنادين، وهذا "مُساواة".

الصفحة 435