كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 9)

3558 - حدثنا محمد بن حيَّويه، حدثنا معلَّى بن أسد (¬1)، حدثنا عبد العزيز بن مختار (¬2)، عن موسى بن عقبة (¬3)، عن سالم، عن أبيه: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي وهو بالمعرَّسِ من ذي الحليفة من بطنِ الوادي" فقيل له: إنك ببطْحاءَ مباركةٍ، وقد أناخ بنا سالمٌ متوَخِّيًا (¬4) في المكان الذي أناخ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بمعرَّس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أسفلَ المسجد الذي ببطن الوادي، بينه وبين الطريق (¬5)، وسَطٌ (¬6) من ذلك،
-[68]- ذلك، وقد رأيت سالمًا يتحرى أماكن من الطريق معلومة يصلِّى فيها، ويحدث أن أباه كان يُصلِّي فيها، "وأنه كان يرى النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- في تلك الأمكنة"، وقد ذكر لي نافع مثل ذلك عن عبد الله، ووصف لي تلك المنازل، فلا أعلم إلا أن قدْ وافق سالِمٌ فيها كلِّها (¬7)، إلَّا أنَّهُما اختلفا في المسجدِ بشَرَف الرَّوْحاء (¬8)
-[69]- .......... (¬9).
¬_________
(¬1) العَمِّي -بفتح المهملة، وتشديد الميم- أبو الهيثم البصري، أخو بهز.
(¬2) عبد العزيز بن المختار الدَّبَّاغ المصري.
(¬3) موضع الالتقاء مع مسلم.
(¬4) متوخِّيًا: بخاء معجمة مشددة مكسورة، يعني: قاصدًا ومتحرِّيًا.
انظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 74)، (3/ 467)، مشارق الأنوار (2/ 564).
(¬5) يعني: أن هذا المسجد واقع بين المعرَّس الذي ببطن الوادي وبينَ الطَّريق، وجاء في بعض الروايات: بينهم وبين الطريق، فالمقصود من ذلك: بين المعرِّسين (بكسر الراء، أي النازلين)، وبين الطريق.
انظر: فتح الباري (3/ 460).
(¬6) أي متوسط بين الطَّريق وبين المعرَّس الذي ببطن الوادي، وإنما جاء بهذه الجملة، لبيان =
-[68]- = أنه في حلق الواسط، لا قرب له إلى أحد الجانبين، وقد جاء عند مسلمٍ بالنَّصب: "وسطًا من ذلك"، ووجه ذلك أن يكون حالًا، بمعنى: متوسطًا.
انظر المرجع السابق، وانظر أيضًا: عمدة القاري (9/ 149).
(¬7) وعند البخاري في صحيحه (ص 83، ح 483): "وسألت سالمًا فلا أعلمه إلا وافق نافعًا في الأمكنة كلها .. ".
(¬8) شَرَف الرَّوحاء: أي الجبل العالي الذي بها، والرَّوحاء -بفتح الراء المهملة، والحاء المهملة الممدودة- هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة وهي آخر السيَّالة للمتوجِّه إلى مكة، بينها وبين المدينة 74 كيلا، وهي من أعمال الفُرع، ارجع إلى ح / 3544.
وقد أشار ابن رجب إلى المسجد الذي اختلف فيه نافع وسالم بالرّوحاء وقال: "وقد ذكر ذلك بعض من صنف في أخبار المدينة بعد السبعمائة، وذكر أنه لا يعرف في يومه ذاك من هذه المساجد المذكورة في هذا الحديث سوى مسجد الروحاء ومسجد الغزالة، وذكر معهما مسجدًا ثالثًا، وزعم أنه معروف -أيضًا- بالروحاء، عند عرق الظبية، عند جبل ورقان".
وعند ذكر حديث ابن عمر الذي في البخاري من طريق نافع عن ابن عمر، وفيه "أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- صلى حيث المسجد الصغير، الذي دون المسجد الذي =
-[69]- = بشرف الرَّوحاء وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي صلى فيه النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-"، يقول: ثمَّ عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي، وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى، وأنت ذاهب إلى مكة، بينه وبين المسجد الأكبر رميةٌ بحجر، أو نحو ذلك" قال ابن رجب: "هذا هو المسجد الذي اختلف فيه سالم ونافع، كما ذكرناه في شرح الحديث الأول، وهذا الحديث: يدل على أن بالروحاء مسجدين: كبير وصغير، فالكبير بشَرَف الرَّوحاء، ولم يصل النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- عنده، إنما صلى موضع الصغير عن يمين ذلك المسجد، وأن بين المسجدين رمية بحجر".
انظر: فتح الباري لابن رجب (2/ 592)، فتح الباري لابن حجر (1/ 138)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 598)، فيض القدير (2/ 356).
(¬9) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب التعريس- (2/ 981، ح 433، 434)، عن محمد بن عباد، عن حاتم بن إسماعيل، وعن محمد بن بكار، وسُريج بن يونس، عن إسماعيل بن جعفر، كلاهما عن موسى بن عقبة بنحوه، إلا أن روايةَ حاتم بن إسماعيل اقتصرتْ على ذكر معرَّسه -صلى الله عليه وسلم- ما قيل له -صلى الله عليه وسلم- في ذلك المكان، أما رواية إسماعيل بن جعفر، ففيها قصة توخِّي سالم لتلك الأمكنة، ولم تذكر اختلاف سالم ونافع في المسجد الذي بشرف الرَّوحاء، وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة (ص 83، ح 483) وفي كتاب الحج (249، 1535) عن محمد بن أبي بكر المقدّميّ، وفي كتاب الاعتصام (ص 1263، ح 7345) عن عبد الرحمن بن المبارك، كلاهما عن فضيل بن سليمان، وفي كتاب المزارعة (ص 375، ح 2336) عن قتيبة بن سعيد، عن إسماعيل بن جعفر، كلاهما عن موسى بن عقبة بنحوه، ومجموع ألفاظ طرق البخاري يتكون منه اللفظ الكامل للحديث كما أورده أبو عوانة. =
-[70]- = من فوائد الاستخراج: هنالك فائدتان:
• حديث المستخرج فيه زيادات صحيحة لا توجد في صحيح مسلم.
• جاء في لفظ مسلم: "بينه وبين القبلة، وسطًا من ذلك"، وهذه جملة صعُب علي توجيهها، ولم أقف عليها عند غيره، وجاءت عند أبي عوانة من نفس الطريق موافقة للمصادر الحديثية الأخرى: "بينه وبين الطريق، وسطٌ من ذلك"، يعني: ذلك المسجد بين المعرِّس والطريق، متوسِّطٌ بينهما، وهو لفظ البُخاريِّ في صحيحه من طريق قتيبة بن سعيد.
تنبيه: عزا ابن حجر في إتحاف المهرة (9/ 348، ح 11387) هذا الحديث لأبي عوانة وذكر أنَّ موسى بن عقبة رواه من طريق نافع فقال: "عنه فيه: ثنا الصغاني، ثنا لُوين، ثنا ابن المبارك. وعن محمد بن حيَّويه، ثنا معلى بن أسد، ثنا عبد العزيز بن مختار، وعن الصغاني، ثنا محمد بن عبَّاد، ثنا حاتم، ثلاثتهم عن موسى بن عُقبة به".
ومع أن الحديث واحد، سواء كان عن سالم أو نافع، فقد سبب الاختلاف في عزو الإسناد إشكالًا في عزو متن الحديث أيضًا، حيث جعل الحافظ ابن حجر حديث ابن المبارك وحديث عبد العزيز بن مختار حديثًا واحدًا بلفظ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا نزل ذا الحُليفة، فإذا أراد أن يركب صلى في مسجد ذي الحُليفة"، وعزا الحديث إلى أبي عوانة وحده، بينما هذا اللفظ يطابق لفظ حديث ابن المبارك ولا يطابق لفظ عبد العزيز بن مختار، كما جمع الحافظ ابن حجر (الإتحاف 8/ 422، ح 9685) بين حديث إسماعيل بن جعفر وحاتم بن إسماعيل ووُهيب ثلاثتهم عن موسى بن عُقبة بلفظ: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى وهو في معرسه من ذي الحليفة، فقيل: إنك ببطحاء مباركة .. وفيه قصة"، بينما يطابق هذا اللفظ أو يقارب =
-[71]- = لفظ حديث عبد العزيز بن مختار، ولا يقارب لفظ حاتم بن إسماعيل عند المصنف، وإن كان يقارب لفظ حاتم عند مسلم، علمًا أني لم أقف على طريق إسماعيل بن جعفر ووُهيب في المخطوط الذي بين يديَّ، ويظهر أنه حصل تصرُّف من بعض الرواة في متن الحديث.

الصفحة 67