كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 9)

البصري والخوارج والظاهرية، فقالوا: يقطع في القليل والكثير. وقال به أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي (¬1)؛ لعموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية (¬2). وربما احتجوا بما أخرجه البخاري (¬3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". والجواب عليهم (أ): أن الآية الكريمة مطلقة في جنس المسروق وقدره، والحديث بيان لها، وأما البيضة فليس المقصود أنه يقطع بسرق البيضة والحبل، وإنما المراد تحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه من السرقة؛ وهو أنه إذا تعاطى هذه الأشياء الحقيرة وصار ذلك خلقًا له، جرأه على سرقة ما هو أكثر؛ الذي يبلغ قدر ما يقطع به، فليحذر هذا القليل قبل أن تملكه العادة، فيتعاطى سرقة ما هو أكثر من ذلك. ذكر معنى هذا التأويل [الخطابي] (ب) (¬4) وسبقه إليه ابن قتيبة (¬5)، ونظير هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة" (¬6). وقوله:
¬__________
(أ) في جـ: عنه.
(ب) ساقطة من: الأصل.
__________
(¬1) الفتح 12/ 106.
(¬2) الآية 38 من سورة المائدة.
(¬3) البخاري 12/ 97 ح 6799.
(¬4) الفتح 12/ 82.
(¬5) ينظر شرح البخاري لابن بطال 8/ 400، والفتح 12/ 82.
(¬6) مفحص القطاة: موضعها الذي تجثم فيه وتبيض. والقطاة: واحدة القطا، وهو نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء. النهاية 3/ 415، والوسيط (ق ط ي).
والحدث أخرجه أحمد 1/ 241 من حديث ابن عباس، وابن ماجه 1/ 244 ح 738 من حديث جابر بن عبد الله.

الصفحة 82