كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 9)
21553- أخبرنا عبد الرزاق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَن يَحيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَن رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ مِنْ حَطَبٍ، قَدْ أَصَابَهُ مَطَرٌ، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: قَدْ كَانَ لَكَ عَن هَذَا مَنْدُوحَةٌ، لَوْ شِئْتَ لَكُفِيتَ، فَقَالَ أَبو ذَرٍّ: وَهَذَا عَيْشِي، فَإِنْ (1) رَضِيتِ، وَإِلاَّ فَتَحْتِ كَنَفَ اللهِ، قَالَ: فَكَأَنَّمَا ألْقَمَهَا حَجَرًا، حَتَّى إِذَا نَضَجَ مَا فِي قِدْرِهِ، جَاءَ بِصَحْفَةٍ لَهُ، فَكَسَرَ فِيهَا خُبْزَةً لَهُ غَلِيظَةً، ثُمَّ جَاءَ بِالَّذِي فِي الْقِدْرِ، فَكَدَرهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: ادْنُ، فَأَكَلْنَا، ثُمَّ أَمَرَ جَارِيَتَهُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَسَقَتْنَا مَذْقَةً مِنْ لَبَنِ مَعْزٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوِ اتَّخَذْتَ فِي بَيْتِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: يَا عَبدَ اللهِ، أَتُرِيدُ لِي مِنَ الْحِسَابِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟ أَلَيْسَ هُذا مِثَالاً نَفْتَرِشُهُ، وَعَبَاءَةٌ نَبْتَسِطُهَا، وَكِسَاءٌ نَلْبَسُهُ، وَبُرْمَةٌ نَطْبُخُ فِيهَا، وَصَحْفَةٌ نَأْكُلُ فِيهَا، وَنَغسِلُ فِيهَا رُؤُوسَنَا، وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ، وَعُكَّةٌ فِيهَا زَيْتٌ، أَوْ سَمْنٌ، وَغِرَارَةٌ فِيهَا دَقِيقٌ؟ فَتُرِيدُ لِي مِنَ الْحِسَابِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟ قُلْتُ: فَأَيْنَ عَطَاؤُكَ أَرْبَعُ مِئَةِ دِينَارٍ؟ وَأَنْتَ فِي شَرَفٍ مِنَ الْعَطَاءِ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ؟ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَنْ أُعَمِّيَ عَلَيْكَ، لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ثَلاَثُونَ فَرَسًا، فَإِذَا خَرَجَ عَطَائِي، اشْتَرَيْتُ لَهَا عَلَفًا، وَأَرْزَاقًا لِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا، وَنَفَقَةً لأَهْلِي، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، اشْتَرَيْتُ بِهِ فُلُوسًا، فَجَعَلْتُهُ عِنْدَ نَبَطِيٍّ هَاهُنَا، فَإِنِ احْتَاجَ أَهْلِي إِلَى لَحْمٍ أَخَذُوا مِنْهُ، وَإِنِ احْتَاجُوا إِلَى شَيْءٍ أَخَذُوا مِنْهُ، ثُمَّ أَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَهَذَا سَبِيلُ عَطَائِي، لَيْسَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ.
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعتي دار التأصيل، والمكتب الإسلامي، وفي طبعة دار الكتب العلمية: «إِنْ».
21554- أخبرنا عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن حَمْزَةَ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ طَعَامًا كَثِيرًا كَانَ عِنْدَ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، مَا شَبِعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَجِدَ لَهُ أَكْلاً، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ مُطِيعٍ يَعُودُهُ، فَرَآهُ قَدْ نَحَلَ جِسْمُهُ، فَقَالَ لِصَفِيَّةَ: أَلاَ تُلَطِّفِيهِ، لَعَلَّهُ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ جِسْمُهُ، تَصْنَعِينَ لَهُ طَعَامًا، قَالَتْ: إِنَّا لَنَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ، وَلاَ مَنْ يَحْضُرُهُ، إِلاَّ دَعَاهُ عَلَيْهِ، فَكَلِّمْهُ أَنْتَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُطِيعٍ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحْمَنِ، لَوِ اتَّخَذْتَ طَعَامًا يُرْجِعُ إِلَيْكَ جَسَدَكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَيَّ ثَمَانِ سِنِينَ مَا أَشْبَعُ فِيهَا شَبْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ قَالَ: لاَ أَشْبَعُ فِيهَا إِلاَّ شَبْعَةً وَاحِدَةً، فَالآنَ تُرِيدُ أَنْ أَشْبَعَ حِينَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إِلاَّ ظَمَأُ حِمَارٍ.
الصفحة 153