كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 9)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْهَاءُ عَلَى هَذَا تَرْجِعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الشَّاهِدُ الْقُرْآنُ فِي نَظْمِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَالْمَعَانِي الكثيرة منه في اللفظ الواحد، قال الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، فَالْهَاءُ فِي" مِنْهُ" لِلْقُرْآنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ قَالَ بَعْضُهُمْ:" وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ" الْإِنْجِيلُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي التَّصْدِيقِ، وَالْهَاءُ فِي" مِنْهُ" لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: الْبَيِّنَةُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ الَّتِي أَشْرَقَتْ لَهَا الْقُلُوبُ، وَالشَّاهِدُ الَّذِي يَتْلُوهُ الْعَقْلُ الَّذِي رُكِّبَ فِي دِمَاغِهِ وَأَشْرَقَ صَدْرُهُ بِنُورِهِ (وَمِنْ قَبْلِهِ) أَيْ مِنْ قَبْلِ الْإِنْجِيلِ. (كِتابُ مُوسى) رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى وَيَتْلُوهُ مِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْصُوفٌ فِي كِتَابِ مُوسَى" يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ" «١» [الأعراف: ١٥٧] وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ" وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى " بِالنَّصْبِ، وَحَكَاهَا الْمَهْدَوِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ، يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاءِ فِي" يَتْلُوهُ" وَالْمَعْنَى: وَيَتْلُو كِتَابَ مُوسَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، الْمَعْنَى مِنْ قَبْلِهِ تَلَا جِبْرِيلُ كِتَابَ مُوسَى عَلَى مُوسَى. وَيَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُرْفَعَ" كِتابُ" عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى كَذَلِكَ، أَيْ تَلَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُوسَى كَمَا تَلَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ. (إِماماً) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ. (وَرَحْمَةً) مَعْطُوفٌ. (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) إِشَارَةٌ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيْ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْبِشَارَةِ بِكَ، وَإِنَّمَا كَفَرَ بِكَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَهُمُ الَّذِينَ موعدهم النار، حكاه القشيري. والهاء في" رَبِّهِ" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالقرآن أو بالنبي أعليه السَّلَامُ. (مِنَ الْأَحْزابِ) يَعْنِي مِنَ الْمِلَلِ كُلِّهَا، عَنْ قَتَادَةَ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:" الْأَحْزابِ" أَهْلُ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُمْ يَتَحَازَبُونَ. وَقِيلَ: قُرَيْشٌ وَحُلَفَاؤُهُمْ. (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أَيْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَأَنْشَدَ حَسَّانُ:
أُورِدْتُمُوهَا حِيَاضَ الْمَوْتِ ضاحية ... فالنار موعدها والموت لاقيها
---------------
(١). راجع ج ٧ ص ٢٩٧
الصفحة 17
388