كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 9)

يُتَمِّمُوهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَرَفَعُوا بَابَهَا لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا» . فَلَمَّا تَمَكَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَنَاهَا كَذَلِكَ، وَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ الْمَلِكِ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: وَدِدْنَا لو تَرَكْنَاهُ وَمَا تَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلِيَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ حَرْبَ الْأَزَارِقَةِ عَنْ أَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَخِيهِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ أَنْ يُجَهِّزَ الْمُهَلَّبَ إِلَى الْخَوَارِجِ في جيوش من الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَوَجَدَ بِشْرٌ عَلَى الْمُهَلَّبِ فِي نَفْسِهِ حَيْثُ عَيَّنَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي كِتَابِهِ. فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ طَاعَتِهِ فِي تَأْمِيرِهِ عَلَى النَّاسِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، غَيْرَ أَنَّهُ أَوْصَى أمير الكوفيين عبد الله بْنَ مِخْنَفٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِالْأَمْرِ دُونَهُ، وَأَنْ لَا يَقْبَلَ لَهُ رَأْيًا وَلَا مَشُورَةً، فَسَارَ الْمُهَلَّبُ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأُمَرَاءِ الْأَرْبَاعِ مَعَهُ عَلَى مَنَازِلِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِرَامَهُرْمُزَ، فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا إِلَّا عَشْرًا حَتَّى جَاءَ نَعْيُ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا خَالِدُ بن عبد الله، فأرخى بَعْضُ الْجَيْشِ وَرَجَعُوا إِلَى الْبَصْرَةِ فَبَعَثُوا فِي آثارهم من يردهم، وكتب خالد ابن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْفَارِّينَ يَتَوَعَّدُهُمْ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا إِلَى أَمِيرِهِمْ، وَيَتَوَعَّدُهُمْ بِسَطْوَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَعَدَلُوا يَسْتَأْذِنُونَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ فِي الْمَصِيرِ إِلَى الْكُوفَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ تَرَكْتُمْ أَمِيرَكُمْ وَأَقْبَلْتُمْ عَاصِينَ مُخَالِفِينَ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِذَنٌ وَلَا إِمَامٌ وَلَا أُمَّانٌ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ ذَلِكَ أَقْبَلُوا إِلَى رِحَالِهِمْ فَرَكِبُوهَا ثُمَّ سَارُوا إِلَى بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَمْ يَزَالُوا مُخْتَفِينَ بِهَا حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ وَالِيًا عَلَى الْعِرَاقِ مَكَانَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بُكَيْرَ بْنَ وِشَاحٍ التَّمِيمِيَّ عَنْ إِمْرَةِ خُرَاسَانَ وَوَلَّاهَا أُمَيَّةَ بْنَ عبد الله ابن خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ الْقُرَشِيَّ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِنَّهُ قَدْ كَادَتِ الْفِتْنَةُ تَتَفَاقَمُ بِخُرَاسَانَ بَعْدَ عبد الله ابن خَازِمٍ، فَلَمَّا قَدِمَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ خُرَاسَانَ عَرَضَ عَلَى بُكَيْرِ بْنِ وِشَاحٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى شُرْطَتِهِ فَأَبَى وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ طُخَارِسْتَانَ فَخَوَّفُوهُ مِنْهُ أَنْ يَخْلَعَهُ هُنَالِكَ فَتَرَكَهُ مُقِيمًا عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا الْحَجَّاجُ وَهُوَ عَلَى إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالْيَمَامَةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ اعْتَمَرَ فِي هَذِهِ السنة ولا نعلم صحة ذلك.
ذكر من توفي فيها مِنَ الْأَعْيَانِ
رَافِعُ بْنُ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا، وصفين مع على وكان يتعانا المزارع والفلاحة، توفى وهو ابن ستة وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَأَسْنَدَ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ حَدِيثًا. وَأَحَادِيثُهُ جَيِّدَةٌ، وَقَدْ أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ سَهْمٌ فِي تَرْقُوَتِهِ فَخَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ يترك فيه العطبة وَيَشْهَدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاخْتَارَ هَذِهِ، وَانْتَقَضَ عليه في هذه السنة فمات منه رحمه الله.
أبو سعيد الخدريّ
هو سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجَيُّ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مِنْ فُقَهَاءَ الصَّحَابَةِ اسْتُصْغِرَ

الصفحة 3