كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 9)

مكة قبل الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنصرته (إقامة) بالرفع مبتدأ مؤخر، و (للمهاجرين) جار ومجرور في موضع الخبر، والمعنى أنه أبيح إذا وصلوا بمكة بحجة أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا (بعد الصدر) بفتح الصاد والدال. أي: بعد انصرافهم من منى وكمال نسكها، وفي رواية لغيره: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه" (¬1). (ثلاثًا) أي: ثلاثة أيام، ولا يزيد على الثلاثة، وهذِه الإقامة قبل طواف الوداع، فإن (¬2) طواف الوداع لا إقامة بعده.
وأما غير المهاجر للنصرة فيجوز له سكنى مكة وغيرها متى شاء؛ لأن هذا الحديث خرج جوابًا عن سؤالهم حين تحرجوا عن المقام بمكة؛ إذ كانوا قد تركوها لله تعالى، فأجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ورأى أن إقامة الثلاث ليست بإقامة، واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أن إقامة ثلاثة أيام ليس لها حكم الإقامة، بل صاحبها في حكم المسافر، قالوا: فإذا نوى المسافر إقامة ثلاثة أيام في بلد غير يوم الدخول ويوم الخروج جاز له الترخص ترخص السفر من القصر والفطر وغيرهما من رخصة (¬3).
قال القرطبي: وهذا الخلاف وإن كان فيما مضى حكمهم وهجرتهم ينبني عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف فتنة فيه وترك فيه بلده، ثم ارتفعت تلك الفتنة، هل يرجع إلى بلده أم لا؟
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" (1352) (442).
(¬2) في (م): فأما.
(¬3) "شرح النووي" 9/ 122، و"المجموع" 4/ 359.

الصفحة 196