تخييرهن بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (¬1) الآية والتي بعدها، وفي "مسند أحمد" من حديث علي: أنه خير نساءه بين الدنيا والآخرة، ولم يخيرهن للطلاق (¬2) (فاخترناه) أي اخترنا جميعًا المقام معه (فلم يعد ذلك شيئًا) فيه دلالة لمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء: أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقًا، أو لا تقع به فرقة (¬3). وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة وإن اختارت زوجها، وحكاه الخطابي (¬4) والنقاش عن مالك. قال القرطبي: ولا يصح عنه، وروي عن ربيعة نحوه في التمليك. وهذا الحديث حجة عليهم. قال: وفي قول عائشة هذا دليل على أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنَّ نفس ذلك الخيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على الطلاق سوى الخيار، قال: ويقتبس ذلك من مفهوم لفظها فتأمله (¬5).
¬__________
(¬1) الأحزاب: 28.
(¬2) "مسند أحمد" 1/ 78.
(¬3) "الأم" 5/ 205، و"المدونة" 2/ 277، و"المبسوط" للسرخسي 6/ 248، و"مسائل أحمد" برواية ابنه عبد الله (1347).
(¬4) "معالم السنن" 3/ 213.
(¬5) "المفهم" 4/ 258.