كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (اسم الجزء: 9)
التى بالقلعة حتّى صار غورا عظيما، فطلب كاتب الجيش ورتّب على كلّ من الأمراء المقدّمين مائة رجل ومائة دابّة لنقل التّراب، وعلى كلّ من أمراء الطبلخاناه بحسب حاله. وأقام الأمير آقبغا عبد الواحد شادا وأن يقيم معه من جهة كلّ أمير أستاداره بعدّة من جنده. وألزم الأسرى بالعمل. ورسم لوالى القاهرة بتسخير العامّة، فنصب الأمير آقبغا خيمته على جانب الموضع، واستدعى استاداريّة الأمراء واشتدّ عليهم، فلم يمض ثلاثة أيام حتّى حضرت إليه رجال الأمراء من نواحيهم، ونزل كلّ أستادار بخيمته، ومعه دوابّه ورجاله فقسمت عليهم الأرض قطعا معيّنة لكلّ واحد منهم، فجدّوا فى العمل ليلا ونهارا واستحثهم آقبغا المذكور بالضرب، وكان ظالما غشوما، فعسف بالرجال وكلّفهم السّرعة فى أعمالهم من غير رخصة ولا مكّنهم [من «1» ] الاستراحة، وكان الوقت صيفا حارّا فهلك جماعة كثيرة منهم فى العمل لعجز قدرتهم عمّا كلّفوه. ومع ذلك كلّه والولاة تسخّر من تظفر به من العامّة وتسوقه إلى العمل، فكان «2» أحدهم إذا عجز ألقى بنفسه إلى الأرض، رمى أصحابه عليه التّراب فيموت لوقته. هذا والسلطان يحضر كلّ يوم حتّى ينظر العمل، وكان الأمير ألطنبغا الماردانى قد مرض وأقام أياما بالميدان «3» على النيل حتّى عوفى وطلع إلى القلعة من باب القرافة، فاستغاث به الناس وسألوه أن يخلّصهم من هذا العمل، فتوسّط لهم عند السلطان، حتى أعفى الناس من السّخر وأفرج عمّن قبض عليه منهم، فأقام العمل ستة وثلاثين يوما إلى أن فرغ منه، وأجريت إليه المياه، وأقيمت به الأغنام المذكورة والأبقار البلق وبنيت به بيوت للإوز وغيرها.